تستأنف المشاورات بين الأحزاب السياسية في تونس حول مبادرة رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي الداعية لتشكيل حكومة تكنوقراط غير متحزبة لإدارة شؤون البلاد، فيما تبقى من وقت قد يطول أو يقصر حسب سرعة عمل المجلس التأسيسي وتقريب وجهات النظر بين الكتل
الغنوشي يفشل في استعراض العضلات قبل استئناف المشاورات حول الحكومة |
تستأنف المشاورات بين الأحزاب السياسية في تونس حول مبادرة رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي الداعية لتشكيل حكومة تكنوقراط غير متحزبة لإدارة شؤون البلاد، فيما تبقى من وقت قد يطول أو يقصر حسب سرعة عمل المجلس التأسيسي وتقريب وجهات النظر بين الكتل حول الكثير من الفصول العالقة على غرار تحديد صلوحيات رأسي السلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة) وتطهير الدستور من كل الاستثناءات التي قد تقيّد حرية التعبير أو حق الإضراب أو تلك المضامين التي تحاول فرض وصاية على الشعب التونسي باسم الدين وحماية المقدسات.
وإلى حدّ الآن لم ينقشع الضباب على الأزمة السياسية الخانقة في البلاد التي أصبحت تتخبط أكثر من أيّ وقت مضى في أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، قد تكون مفهومة بعد انتفاضة شعبية تسببت في انقلاب على الرئيس السابق زين العابدين بن علي، لكنها أزمات كان بالإمكان تجاوز جزء منها على الأقلّ، لو كانت هناك إرادة سياسية صادقة من حركة النهضة، التي بدأت قاعدتها تتلاشى، وحزب "المؤتمر" خادمها المطيع، وهما حزبان فوتا على الشعب التونسي فرصة الابتعاد عن الانقسام بعد رفضهما الجلوس إلى طاولة الحوار تحت خيمة الاتحاد العام التونسي للشغل مع حركة "نداء تونس".
لكن المفارقة الغريبة هي أن حزبي النهضة والمؤتمر، اللذان طالما تشدقا بأنهما معارضان لعودة التجمعيين للمشهد السياسي، سارعا إلى الجلوس مع رموز من النظام السابق في قصر الضيافة بقرطاج تحت إشراف رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي للحوار بشأن تشكيلة وزراية جديدة، وذلك خشية أن تسحب من تحت قديمهما السلطة التي لم يكونا على قدر من المسؤولية في ممارستها بطريقة عادلة وناضجة تضمن التقدم بخطى ثابتة إلى ما بعد المرحلة التأسيسية.
ورغم أنّ الشرعية الانتخابية التي سقطت يوم 23 أكتوبر 2012 لم تعد صالحة في غياب توافق سياسي بين الفرقاء السياسيين لاسيما بعد الزلزال الذي هزّ أركان البلاد بعد حادثة اغتيال الزعيم السياسي شكري بلعيد، إلا أنّ قيادات حركة النهضة ما تزال مصرة على فرض عزلة على نفسها والتشبث بالبقاء في وزارات الدولة التي لم تكن تعمل سوى وفق أجندا حزبية ضيقة تسعى لإعادة إنتاج هيمنة الحزب الواحد تحت أكذوبة "الشعب ائتمننا على السلطة".
وفي خطبة الأمس القريب كشف رئيس الحركة راشد الغنوشي عن أطماعه في البقاء على كرسي السلطة، معتبرا أنه لن يتنازل عنها ما دام "شعبه"، المتكون من الإسلاميين والذين لم يشارك سوى قلة قليلة منهم في انتفاضة 14 جانفي، "يأتمنه" على السلطة، التي لم تجني منها تونس سوى المتاعب والمطبات والآلام.
ورغم مسيرة استعراض العضلات لحركة النهضة والتي لم تنجح في حشد سوى حاشية تتلهف وراء التعويض واستغلال النفوذ، إلا أنّ المعركة الحاسمة حول تشكيل سلطة انتقالية جديدة في تونس لن تكون في الشوارع وإنما داخل المجلس التأسيسي في حدّ ذاته إذا كانت طبعا نوايا حمادي الجبالي مخلصة كما لخصها بروفيله على الفايس بوك "إني اخترتك يا وطني".
إذ تعلم حركة النهضة أن الكتلة النيابية التابعة لها والتي تتسع لـ89 مقعدا لا تدعم كلها مبادرة الغنوشي والقيادات المتشددة الرافضة للتخلي على السلطة، وهناك عدد لا بأس به من نواب النهضة من هم يساندون مقاربة الجبالي لتحييد وزارات السيادة وإعادة بناء ثقة جديدة للمواطنين تجاه مؤسسات الدولة وتفعيل الهيئات التأسيسية التي تعرقلت وظائفها مع الحكومة الحالية.
وبالتالي فإن صراخ الغنوشي على أحفاده في شارع الحبيب بورقيبة العظيم، بعدم التنازل عن السلطة لا يعدو سوى أن يكون جعجعة فارغة وكلاما فاضيا بما أن التوازنات السياسية لم تعد في صفه خاصة بعدما اقتنع الجبالي بأنّ خيار الغنوشي لتشكيل حكومة سياسية مطعمة بالكفاءات تكون فيها الغلبة للنهضة سيعقد الأوضاع على البلاد لا تتحمل أي تصعيد في الأزمات. |
المصدر
|