احتضنت قاعة سينما الريو بالعاصمة اليوم الجمعة عرضا لفيلم “وارء الموجة” للمخرج فتحي السعيدي والذي يتناول فيه ظاهرة الهجرة السرية فى تونس او ما يعرف فى الاوساط العامة ب “الحرقة” وإشكالات المهاجرين المفقودين وما تخلفه عادة من ماسي نفسية واجتماعية لدى عائلات المهاجرين وضحايا قوارب الموت
تنطلق احداث الفيلم من المنطقة الشعبية “حي النور” على تخوم المدخل الجنوبي للعاصمة تونس بمجموعة من الشهادات لما يعرف ب”البرباشة”، تلك الكائنات الانسانية التى تعيش من القمامة ومنها تعيل ابناء وعائلات، هناك تأخذنا الكاميرا الى تفاصيل حياة عدد من المتساكنين : فقر، سرقة، عنف، مخدرات…
وشباب عاطل ويائس، محبط وتائه تتلاطمه ظروف معيشية صعبة وأوهام الهجرة الى خارج الوطن املا فى حياة افضل ولو “حارقا” على حد قول احد الشباب فى الفيلم اختيار حي النور مسرحا لإحداث الفيلم ليس اعتباطيا فهذا الحي منه ينحدر عدد كبير من ضحايا “الحرقة”، هنا عاشوا وتقاسموا صعوبات الحياة وأمال تحسين الاوضاع الاقتصادية والاجتماعيىة فى بلدان الشمال، تتفنن عدسة المخرج فى التركيز على تفاصيل دقيقة من رحلة الامل المعدوم والموت المحقق لمئات الشبان التونسيين
الفيلم جمع بين الطابع الروائي المشبع بشهادات حية لشخصيات على علاقة مباشرة وغير مباشرة بظاهرة الحرقة (اولياء، شبان عائدون وناجون من رحلات الموت، ناشطون فى المجتمع المدني…) وبين الطابع التوثيقي لمأساة الحرقة وتداعياتها المهولة على عائلات الشبان المهاجرين سواء الذين وصلوا الى برور الشمال او من كان الغرق فى اعماق اليم مصيرهم، فالمعاناة لدى العائلات هنا فى تونس لا تختلف كثيرا او هكذا اراد المخرج تصويرها للمشاهد
الفيلم لم يهمل شريحة من ابناء “حي النور” اؤلائك الذين خامرتهم فكرة “الحرقة” يوما ما وتخلوا عنها لسبب او لأخر، البعض اقتنع بضرورة انتزاع رغيفه بأي ثمن هنا فى بلده وحيه وبين عائلته واقرأنه والأخر طرد فكرة الحرقة من ذهنه لأنه بكل بساطة يئس منها .
تتالى المشاهد فى الفيلم ومع كل مشهد يغوص بك المخرج فى عالم معاناة عائلات المفقودين وتتداخل شبهات تقصير الساسة والرسميين فى معالجة هذا الملف الحارق بإصرار عوائل المفقودين على تبيان الحقيقة كاملة، وتجمع كل الشهادات على الدور السلبي للحكومات المتعاقبة فى تونس التي لم تتحرك بالشكل الكافي لمتابعة مصير المفقودين التونسيين ضحايا قوارب الهجرة السرية، وفق العديد من الشهادات الواردة فى الفيلم