سيكون يوم 25 جويلية 2013 يوما ملطخا بدماء الغدر والجبن باعتبار أنه في الذكرى السادسة والخمسين لعيد الجمهورية تم اغتيال محمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي المنسق …
بعد اغتيال محمد البراهمي: تونس تدخل من جديد النفق المُظلم وأزمة سياسية منتظرة |
سيكون يوم 25 جويلية 2013 يوما ملطخا بدماء الغدر والجبن باعتبار أنه في الذكرى السادسة والخمسين لعيد الجمهورية تم اغتيال محمد البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي المنسق العام للتيار الشعبي والقيادي في الجبهة الشعبية ومؤسس حركة الشعب أمام منزله وخاصة أمام أنظار عدد من أبناءه من طرف شخصين تعمدا رميه بوابل من الرصاص أردفته قتيلا، ليكون لهذه الحادثة تداعيات كبيرة ووخيمة على تونس في شتى المجالات والميادين ولتدخل البلاد من وراءه في نفق مظلم، نفق المجهول ونفق التذبذب ونفق تعمق الخلافات والصراعات السياسية والتي ستعيد تونس إلى مربع الخوف واللااستقرار. لقد تحول الاحتفال بعيد الجمهورية من يوم عرس وتأهب بالاحتفاء بالنخوة بالانتماء إلى مبادئ الجمهورية وأركانها، إلى مأساة و يوم حزن وحداد ويوم أظلم في تاريخ ما بعد ثورة 14 جانفي بتسجيل حادثة الاغتيال الثاني من نوعها بعد تلك التي طالت الأمين العام لحركة الديمقراطيين الموحّد سكري بلعيد يوم 06 فيفري 2013 والذي تبعته تبعات سياسية واقتصادية شديدة أدت إلى استقالة حكومة حمادي الجبالي دخول البلاد في أزمة سياسية حادة كانت تأثيراتها سلبية على مسار الانتقال لديمقراطي في البلاد علاوة على التأثيرات الاقتصادية السلبية على المجال الاقتصادي وخاصة في المجال السياحي. الأمر الثابت والمتأكد أن عملية اغتيال محمد البراهمي ستكون لها تداعيات وخيمة وقد تكون بمثابة الزلزال السياسي الذي سيهزّ البلاد رأسا على عقب ويدخلها في دوّامة جديدة تذكرنا بفترة التي تلت اغتيال شكري بلعيد من خلال الدخول حالة التذبذب والشك وعدم الاستقرار. وبالرغم من أن ملابسات قتل البراهمي تشبه بنسبة مئوية كبيرة تلك التي حصلت لشكري بلعيد في طريقة وشكل التنفيذ انطلاقا من الترصّد أمام المنزل وتحيّن التوقيت المناسب مرورا بالقتل داخل السيارة وفي وضوح النهار ووصولا إلى تحدي المجرمين، غير أن التداعيات قد تكون أقوى وأخطر من خلال تكرار الدعوات إلى العصيان المدني في البلاد من العديد من الأطراف المناهضة للترويكا الحاكمة وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه البلاد من ترد للأوضاع. ومن التداعيات المنتظرة والمتأكدة هو الدخول في أزمة سياسية جديدة وأعمق من ذلك الدخول في أزمة ثقة بين مختلف الفرقاء السياسيين التي بدأت في المنابر التلفزية والإذاعية في إلقاء التهم لطرف على حساب آخر وتحميله مسؤولية كل ما يحدث في البلاد م تعثر للمسار الانتقالي والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تونس وعدم توفق الحكومة الجديدة في حل الإشكاليات العالقة. ما يمكن التأكيد عليه أن حادثة اغتيال محمد البراهمي سيُقويّ موقف المعارضة في البلاد وتكسب أكثر ثقة لدى عموم الناس على حساب الأحزاب الحاكمة "المتهمة" بالفشل في العديد من الملفات ولا سيما ملف كشف ملابسات قضية اغتيال شكري بلعيد وإخفاقها في السياسة الأمنية عموما ومقاومة مظاهر الإرهاب والغلو والتشدّد الديني. لقد أتت عملية اغتيال البراهمي في ظرف سياسي واقتصادي حسّاسين قد تكون لها عواقب سلبية من شأنها أن تدخل البلاد في نفق مظلم أعمق وأشد من الفترة التي تلت عملية اغتيال بلعيد، فبالنسبة إلى الظرف السياسي الراهن اتسم بالدخول في المناقشة العامة للدستور واقتراب الانتهاء من انتخاب أعضاء الهيئة العليا المستقلة من الانتخابات ومن قبلها تم انتخاب هيئة القضاء العدلي، وفي خضم هذا الظرف فإن عملية اغتيال محمد البراهمي قد تعطل انتخابات هيئة الانتخابات وبالتالي إرجاء موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية إلى مواعيد أبعد من المتفق عيها في موفى 2013 ومطلع 2014 علاوة على تعطل نقاش الدستور الجديد فصلا فصلا بعد أن خلصت لجنة التوافقات إلى اتفاق بشأن مجمل النقاط لخلافية. وفي ما يخصّ الحكومة فإنها أصبحت في وضع لا تُحسد عليه ومن المتوقع أن تُسلّط عليها ضغوطات كبيرة من الأحزاب المعارضة ومكونات المجتمع المدني لا سيما وأنها فشلت في إماطة اللثام عن قاتل شكري بلعيد، إذ بدأت تتعالى الأصوات بإقالة حكومة علي العريض وتكوين حكومة وحدة وطنية. وسوف تُغذّي حادثة اغتيال محمد البراهمي هذه الدعوات و يرى بعض المحللين أنه من غير المستبعد أن تحصل استقالات في صفوف الحكومة المؤقتة الحالية. أما في ما يخص الوضع الاقتصادي فإن حادثة الاغتيال الجديدة قد تزيد من تعقيد الوضع المتسم حاليا بالهشاشة والضعف والرجوع إلى الوراء خاصة في القطاع السياحي إذ من غير المستبعد أن تحصل إلغاء حجوزات التحول إلى تونس على غرار ما حصل بعد أحداث السفارة الأمريكية وعملية اغتيال شكري بلعيد. كما أنه من غير المستبعد أن يقع تجميد القروض المالية التي تتفاوض بشأنها البلاد أو حصلت على موافقتها والحال أن تونس بحاجة ماسة إلى هذه التمويلات الخارجية لمواصلة الإيفاء بتعهداتها الاقتصادية والمالية على المستوى الوطني. أما على الصعيد الخارجي ونظرة الدول الشقيقة الصديقة لتونس بعد حادثة الاغتيال السياسي الثاني في ظرف 6 أشهر، سوف تتغير مما لا شكّ فيه وبعد أن تتالت التصريحات من كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي وبعض رؤساء الدول الصديقة بان تونس تتجه نحو المسار الصحيح في اتجاه استكمال المسار الانتقال الديمقراطي وأن تونس ستكون أنموذجا لدول الربيع العربي. غير أنّ حادثة الاغتيال ستعيد تشكيل الموقف الدولي من جديد للمسار الديمقراطي واستقرار الأوضاع الأمنية ومقاومة الإرهاب في اتجاه التراجع ومراجعة المواقف بشكل جذري مع أخذ بمسافة معينة من تونس.
|
رياض بودربالة |