إن العشرية المنقضية بين 2003 و 2013 لهي عشرية التمزق بكل المقاييس في الوطن العربي ولا يمكن للمتابع والملاحظ إلا أن يسجل بين هذين التاريخين انهيار كل أركان ما كان يسمى بالنظام العربي والذي ابتدأ منذ بدايات الدولة الوطنية عقب الحرب العالمية الثانية وبدايات معارك التحرير الوطني في شرق الوطن العربي وفي غربه على حد سواء …كما لا يملك الملاحظ إلا أن يسجل أن الفائز الحقيقي في هذه المحنة ليس سوى دولة اسرائيل التي فشلت كل الأنظمة العربية في مقاومتها أو مجرد التماهي معها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا …
الوطن العربي في عشرية الانهيار الكبير (2003-2013 )
|
إن العشرية المنقضية بين 2003 و 2013 لهي عشرية التمزق بكل المقاييس في الوطن العربي ولا يمكن للمتابع والملاحظ إلا أن يسجل بين هذين التاريخين انهيار كل أركان ما كان يسمى بالنظام العربي والذي ابتدأ منذ بدايات الدولة الوطنية عقب الحرب العالمية الثانية وبدايات معارك التحرير الوطني في شرق الوطن العربي وفي غربه على حد سواء …كما لا يملك الملاحظ إلا أن يسجل أن الفائز الحقيقي في هذه المحنة ليس سوى دولة اسرائيل التي فشلت كل الأنظمة العربية في مقاومتها أو مجرد التماهي معها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا … لنتذكر التاريخ القريب…في التاسع من أفريل سنة 2003 دخلت طلائع القوات الأمريكية مدينة بغداد مطيحة نهائيا بنظام صدام حسين المتربع على عرش العراق منذ 1979 وحتى ما قبل هذا التاريخ بصفة غير مباشرة…ودون الخوض في أي تقييم لنظام قضى أكثر من عشرين عاما في حروب لم تفلح إلا في استنزاف طاقات إحدى أغنى الدول العربية وفي إقامة نظام "عائلي" أحكم قبضته على مقدرات العراق الكبيرة فإن الغزو الأمريكي عرى حقيقة لطالما جاهدت النخب القريبة والمنتفعة بالنظام في إخفائها وتتعلق خاصة بانعدام أي قاعدة شعبية لنظام البعث العراقي وبسراب ما كان يسمى بأقوى جيوش المنطقة العربية… وتهاوت دولة بعث العراق كقصر من ورق وطفت فورا على السطح قوى أخرى أكثر تنظيما وأكثر حضورا وهي القوى الشيعية المتربصة بالنظام العراقي والمدعومة من قبل الإيرانيين وقوى المتطرفين الجهاديين وعلى رأسهم التنظيمات المرتبطة بالقاعدة والتي تبحث عن ميدان منازلة جديد مع الأمريكان…وفي المحصلة اليوم بعد عشر سنوات على انهيار نظام صدام حسين أن العراق تمزقت أشلائه وأن الأكراد استفردوا أو يكادوا بالشمال ومخزونه النفطي والشيعة استفردوا بالجنوب ومخزونه النفطي أيضا بينما تتواصل أفواج الموتى كل يوم في باقي المناطق في معاناة رهيبة للمواطن العراقي وفي انهيار كامل اقتصاديا وسياسيا لأحدى أكبر وأقوى وأغنى الدول العربية قبل هذا التاريخ… وبالرغم من التشابه الكبير بين معطيات انهيار نظام صدام حسين القائم على خنق كل نفس في البلاد وعبادة الشخصية وسيطرة الحزب الواحد على الساحة السياسية المفرغة من كل معارض وانفراد عائلة الزعيم بمقدرات البلاد الاقتصادية وعربدة أجهزة البوليس والمخابرات وبين معطيات أنظمة عربية أخرى إلا أن أحدا من الحكام العرب لم يقرأ الدرس… فلا النظام المصري المطبق على مقدرات مصر منذ 1981 ولا نظام القذافي الذي زاد ليبيا تصحرا منذ 1969 ولا نظام الأسد وأبنائه المطبق على سوريا منذ السبعينات ولا نظام علي عبدالله صالح في اليمن ولا نظام زين العابدين بن علي في تونس منذ 1987 تمكن من قراءة موضوعية لما حدث لصدام حسين ونظامه وأبنائه وأصهاره …وواصل الجميع المضي قدما في ما هم فيه بل وبإعانة الأنظمة الغربية التي كانت تغلب مصلحتها في استقرار المنطقة ونمو مبادلاتها مع الغرب على أي معطى آخر… وفي الأثناء وبعد تمكن أجهزة المخابرات الإسرائيلية من الوصول إلى ياسر عرفات وتسميمه عبر خيانة لم تحدد ملابساتها بعد جثم على ما تبقى من الجسم الفلسطيني المريض أشلاء من منظمة التحرير المنخورة بالفساد في الضفة وأجهزة حركة حماس وارتباطاتها المتعددة بالإيرانيين والسوريين في وضع يرزح فيه الفلسطيني مضاعفة بين قوى الاحتلال وفلول الفساد والمحسوبية دون التقدم خطوة نحو أي حل وخاصة نحو اتحاد القوى الوطنية لمجابهة المحتل المتمادي في صلفه وفي قضمه للأراضي الفلسطينية شبرا شبرا… وبينما واصل النظام العربي بمختلف تنويعاته احكام سيطرته على الوضع معتقدا أن بوليسه ومخابراته والدعم الغربي المتدفق عليه يجعله في مأمن من أية مسائلة كانت عوامل الأزمة تشتد في المجتمعات العربية المقموعة وبالرغم من انحسار النضالات الشعبية للجيل السابق الذي دفع غاليا ثمن انتفاضاته ضد الأنظمة القائمة وبمختلف مشاربه السياسية ، برز جيل جديد من الشباب المتشبع بروح العصر والمالك لنواصي الثورة التكنولوجية في وسائل الإعلام الحديثة ليفهم بسرعة الثغرات الواضحة في واجهة الأنظمة البوليسية… وهكذا جاءت ثورة الكرامة والحرية في تونس أواخر سنة 2010 لتنذر بتسارع الانتفاضات في كل مكان…فانهار النظام التونسي في ظرف شهر واحد ولحقه النظام المصري في 25 جانفي 2011 وتصدع النظام اليمني حتى تخلخل كليا وانهار نظام القذافي بكل بشاعة مثل القائمين عليه، بينما استطاع النظام السوري العلوي الدموي أن يلعب على كل الأوراق الطائفية والسياسية والإقليمية والدولية للبقاء في الحكم ولكن الثمن كان ولا يزال تدميرا شاملا لسوريا وتقطيعا لأوصالها وهدرا لبناها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية… وهذه الحال اليوم …لم يعد لدولة العراق وجود ، واليمن يتخبط في تفاصيل ما بعد عبدالله صالح إلى ما لا نهاية ، ومصر تحاول الخروج من مأزق الإخوان المسلمين وليبيا تحولت إلى وكر لإرهابيي القاعدة دون دولة ولا نظام وتونس تعيش أزمة سياسية لا أفق للخروج منها مع تشبث الإسلاميين بالحكم وهم لم يقدروا عليه وعلى استحقاقاته…
|
علي الشتوي
|