المتابع للحراك الاجتماعي و الشأن النقابي في المدة الأخيرة وبالتحديد منذ أواخر شهر أكتوبر الماضي يلاحظ بالتأكيد ارتفاع غير مُبرر وغير مفهوم بالمرة في الحجم الكبير لعدد الإضرابات والاعتصامات المسجلة في شتى المجالات والميادين وخاصة القطاعات التي لها علاقة مباشرة بقضاء شؤون المواطن وكذلك بعض المصالح المرتبطة بالشأن الاقتصادي…
المتابع للحراك الاجتماعي و الشأن النقابي في المدة الأخيرة وبالتحديد منذ أواخر شهر أكتوبر الماضي يلاحظ بالتأكيد ارتفاع غير مُبرر وغير مفهوم بالمرة في الحجم الكبير لعدد الإضرابات والاعتصامات المسجلة في شتى المجالات والميادين وخاصة القطاعات التي لها علاقة مباشرة بقضاء شؤون المواطن وكذلك بعض المصالح المرتبطة بالشأن الاقتصادي.
إن هذه التحركات النقابية على اختلاف انتمائها لمختلف المنظمات النقابية الثلاثة (الاتحاد العام التونسي للشغل والجامعة العامة للشغل واتحاد عمال تونس) جلبت إليها الانتباه بشكل ملحوظ في فترة تمر بها البلاد بظروف عصيبة سياسيا واقتصاديا من خلال تكاثر عدد الاضرابات والحركات الاحتجاجية والملفت للانتباه أن هذه التحركات وعلى الرغم من تباين مطلبيتها جاءت تقريبا في نفس الفترة.
هذه الفترة تزامنت في الواقع مع انطلاق الحوار الوطني وبالأخص تعهد رئيس الحكومة المؤقتة بالاستقالة وما رافق الحوار من تعطل وانسداد الافق للخروج من الازمة السياسية الكبيرة والعامة التي تمر بها تونس زد على ذلك حصول ازمة داخلية في الحوار حول شخصية رئيس الحكومة المقبل بما ضاعف من تذبذب الوضع و عدم وضوح الرؤية السياسية.
ومنذ الاعلان عن انطلاق الحوار الوطني بصفة فعلية يوم 23 أكتوبر الفارط تفاقمت الاضرابات والحركات الاحتجاجية بشكل ملفت للانتباه، إذ لا يكاد يمر يوم حتى ويتم تحرك نقابي أو تنفيذ لوقفة احتجاجية أو لإضراب في مجال من المجالات.
الثابت والمتأكد أن الاحصائيات التي ستصدرها المصالح المختصة لوزارة الشؤون الاجتماعية حول المناخ الاجتماعي العام في البلاد ستظهر ارتفاع هام وملحوظ لعدد الاضرابات في هذه الفترة بالذات، بعد أن تم تسجيل تراجع كبير في عدد الاضرابات بنسبة 21 بالمائة خلال الثلاثي الثالث من العام الجاري.
ما يسترعي التركيز عليه نوعية العلاقة بين انطلاق الحوار الوطني والفترة التي تلته وتفاقم عدد الاضرابات في العديد من الميادين و في العديد من جهات البلاد، حتما أن هنالك علاقة وطيدة ومترابطة باعتبار أنه لم يكن هناك تحركات مسبقة ي مطلع شهر أكتوبر لا سيما وأن المؤشرات الاحصائية أكدت على تراجع ملحوظ للاعتصامات والإضرابات خلال أشهر جويلية وأوت وسبتمبر 2013 بدليل تراجعها بنسبة 21 بالمائة.
وعلى ضوء ما تقدم فإن التفسير الأقرب للواقع والمنطق لانفلات الاضرابات في الآونة الأخيرة وتزايد عددها وخاصة تأثيرها على مسق حياة المواطنين، هو سعي بعض الأطراف النقابية غير المسؤولة لاستغلال الظرف السياسي الراهن وخاصة فهمها المغلوط لاستقالة الحكومة المؤقتة لتطلق العنان لقواعدها لتنفيذ إضرابات العديد منها عشوائي وغير مبرر الهدف منها تحقيق بعض المطالب جلها مطالب مالية أو تذكير ببعض الاتفاقيات التي لم يتم تنفيذها.
لقد سعت هذه الاطراف على قلتها ربما استغلال الموقف والوضع المتأزم للبلاد وتعثر الحوار الوطني وضعف الحكومة المؤقتة التي اعتبرتها أو ترى أنها في حكم المستقيلة، شنَ إضرابات واعتصامات علَها تحقق بعض المطالب وتنتفع ببعض الامتيازات قبل أن ترحل الحكومة وتأتي حكومة جديدة متوافق عليها وقد تتمتع بحصانة الرباعي الراعي للحوار وتحصل بالتالي على هدنة اجتماعيه من خلال وقف الاضرابات والاعتصامات والالتفات إلى تصريف شؤون البلاد في ظرف وجيز ودقيق.
ولعل الوضع الامني الهش والدقيق الذي تمر به البلاد يكون قد همس إلى مسامع بعض أشباه النقابيين إلى تحريك موجة الاضرابات والتحركات الاحتجاجية وما يتطلبه ذلك من تجنيد لقوات الامن في خطوة منهم للضغط على الحكومة الانتقالية وشبه المستقيلة لتحقيق بعض المطالب الضيقة لمنظوريهم.
ولئن سعت إحدى المنظمات النقابية تنظيم لإضراب عام في قطاع النقل يومي 06 و07 نوفمبر الجاري استعراض لقوتها وقدرتها على شل حركة النقل وتعطيل مصالح المواطنين، فإن الاضراب لم ينجح وعرف نسبة فشل عالية من منطلق أن العديد من المنتمين إلى قطاع النقل ومن المتحلين بالوطنية العالية رفضوا تنفيذ الاضراب حفاظا على مصالح الناس.
مثال آخر حري باستعراضه تمثل في تعمد بعض سائقي القطارات الدخول في إضراب فجئي ومن دون سابق إعلام ومن دون حتى الرجوع إلى المركزية القطاعية او النقابية مما أدخل الفوضى على المسافرين الذين تعطلت مصالحهم بشكل لافت، بما يعكس عدم الانضباط في صفوف بعض النقابيين وتنظيم إضرابات من دون الرجوع إلى الهرم.
ما يمكن التأكيد عليه عموما هو أن الوقت غير ملائم بالمرة لنفيذ تحركات احتجاجية أو الدخول في إضرابات مهما كانت نوعية المطالب وخاصة منها المطالب المالية بل إن تونس تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى العمل والمثابرة وبذل جهود إضافية من أجل وتحسين مؤشرات الانتاجية والرفع منها وإرسال إشارات قوية وواضحة لكل العالم على أن الشعب التونسي شعب واع ومسؤول وحريص على مصلحة بلاده.