إبان الربيع العربي الذي شهدته كل من تونس ومصر أرسل نيلسون منديلا سنة 2011 رسالة الى ثوار تونس ومصر سرد فيها عصارة تجربته نضالية ، سجلها التاريخ البشري بأحرف من ذهب….
2011 رسالة الى ثوار تونس ومصر سرد فيها عصارة تجربته نضالية ، سجلها
التاريخ البشري بأحرف من ذهب.
وشبه منديلا في رسالته تحرر تونس ومصر من الدكتاتورية بالخروج من السجن
منبها الشعوب من خطورة إقصاء المواليين للأنظمة السابقة لما له من تأثيرات
سلبية قد تؤدي الى إجهاض الثورة.
وفي ما يلي مقتطفات من رسالة منديلا:
إخوتي في تونس ومصر
أعتذر أولا عن الخوض في شؤونكم الخاصة، وسامحوني إن كنت دسست أنفي فيما لا
ينبغي التقحم فيه. لكني أحسست أن واجب النصح أولا، والوفاء ثانيا لما
أوليتمونا إياه من مساندة أيام قراع الفصل العنصري يحتمان علي رد الجميل
وإن بإبداء رأي محّصته التجارب وعجمتْه الأيامُ وأنضجته السجون.
أحبتي ثوار العرب.
لا زلت أذكر ذلك اليوم بوضوح. كان يوما مشمسا من أيام كيب تاون. خرجت من
السجن بعد أن سلخت بين جدرانه عشرة آلاف عام. خرجت إلى الدنيا بعد وُورِيتُ
عنها سبعا وعشرين حِجةً لأني حلمت أن أرى بلادي خالية من الظلم والقهر
والاستبداد.
كيف سنتعامل معي إرث الظلم لنقيم مكانه عدلا؟
أكاد أحس أن هذا السؤال هو ما يقلقكم اليوم. لقد خرجتم لتوكم من سجنكم
الكبير
وهو سؤال قد تحُدّد الإجابة عليه طبيعة الاتجاه الذي ستنتهي إليه ثوراتكم.
إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم. فالهدم فعل سلبي والبناء فعل
إيجابي أو على لغة أحد مفكريكم – حسن الترابي- فإن إحقاق الحق أصعب بكثير
من إبطال الباطل.
أنا لا أتحدث العربية للأسف، لكن ما أفهمه من الترجمات التي تصلني عن
تفاصيل الجدل السياسي اليومي في مصر وتونس تشي بأن معظم الوقت مهدر في سب
وشتم كل من كانت له صلة تعاون مع النظامين البائدين وكأن الثورة لا يمكن أن
تكتمل إلا بالتشفي والإقصاء، ذاك أمر خاطئ في نظري.
أنا أتفهم الأسى الذي يعتصر قلوبكم وأعرف أن مرارات الظلم ماثلة، إلا أنني
أرى أن استهداف هذا القطاع الواسع من مجتمعكم قد يسبب للثورة متاعب خطيرة،
فمؤيدو النظام السابق كانوا يسيطرون على المال العام وعلى مفاصل الأمن
والدولة وعلاقات البلد مع الخارج. فاستهدافهم قد يدفعهم إلى أن يكون إجهاض
الثورة أهم هدف لهم في هذه المرحلة التي تتميز عادة بالهشاشة الأمينة وغياب
التوازن. أنتم في غنى عن ذلك، أحبتي.
إن أنصار النظام السابق ممسكون بمعظم المؤسسات الاقتصادية التي قد يشكل
استهدافها أو غيابها أو تحييدها كارثة اقتصادية أو عدم توازن أنتم في غنى
عنه الآن.
عليكم أن تتذكروا أن أتباع النظام السابق في النهاية مواطنون ينتمون لهذا
البلد، فاحتواؤهم ومسامحتهم هي أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة، ثم إنه لا
يمكن جمعهم ورميهم في البحر أو تحييدهم نهائيا ثم إن لهم الحق في العبير عن
أنفسهم وهو حق ينبغي أن يكون احترامه من أبجديات ما بعد الثورة.
إن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند
تفاصيل الماضي المرير.
أذكر جيدا أني عندما خرجت من السجن كان أكبر تحد واجهني هو أن قطاعا واسعا
من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق، لكنني
وقفت دون ذلك وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب
إفريقيا إما إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية من جديد. لذلك شكلت
“لجنة الحقيقة والمصالحة” التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا
وسامح كل منهما الآخر.
إنها سياسة مرة لكنها ناجعة
أرى أنكم بهذه الطريقة– وأنتم أدرى في النهاية- سترسلون رسائل اطمئنان إلى
المجتمع الملتف حول الديكتاتوريات الأخرى أن لا خوف على مستقبلهم في ظل
الديمقراطية والثورة، مما قد يجعل الكثير من المنتفعين يميلون إلى التغيير،
كما قد تحجمون خوف وهلع الدكتاتوريات من طبيعة وحجم ما ينتظرها.
تخيلوا أننا في جنوب إفريقيا ركزنا –كما تمنى الكثيرون- على السخرية من
البيض وتبكيتهم واستثنائهم وتقليم أظافرهم؟ لو حصل ذلك لما كانت قصة جنوب
إفريقيا واحدة من أروع القصص النجاح الإنساني اليوم.
أتمنى أن تستحضروا قولة نبيكم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”
نلسون روهلالا مانديلا
المصدر