يوضح الجدول أعلاه ما وصل اليه ميزاننا التجاري من عجز انطلق ،من 30 مليون دينارا سنة 60 من القرن ألماضي ، ليصل الى 11.6 مليار دينارا في 2012 ،وذلك بنسق تصاعدي دون أن يسجل فائضا قطّ . وان نظرنا مليّا يتبين ان تضخم العجز توازيه قيمة وارداتنا من منتجات الفلاحة والطاقة .أي كلّ ما ارتفعت تلكم الواردات إلا ونتج عنها ارتفاع في العجز التجاري …
يوضح الجدول أعلاه ما وصل اليه ميزاننا التجاري من عجز انطلق ،من 30 مليون
دينارا سنة 60 من القرن ألماضي ، ليصل الى 11.6 مليار دينارا في 2012 ،وذلك بنسق
تصاعدي دون أن يسجل فائضا قطّ . وان نظرنا مليّا يتبين ان تضخم العجز توازيه قيمة
وارداتنا من منتجات الفلاحة والطاقة .أي كلّ ما ارتفعت تلكم الواردات إلا ونتج عنها
ارتفاع في العجز التجاري !
هذه المعطيات كفيلة لتؤكد لنا ما يشكو منه الاقتصاد من “علل ” هيكلية لا مناص
من معالجتها جذريا ان أردنا نموّا يرقى الى طموحات ثورتنا المجيدة.
1) المنتجات الفلاحة :
أغلب ما نورده في هذا الباب ليس بغريب عمّا تنتجه مروجنا وأراضينا: قمح، شعير،
ذرة ،سكر، زيوت غذائية، بقول جافه ، فواكه جافة ، قطن ،دخّان…بل بالنسبة
لقمحنا، مثلا ،يعتبر في شمال المتوسط ، لقاحا لرفع الجودة حيث ان نسبة البروتين
فيه غالبا ما تفوق 15 % بينما شمالا لا تتعدي 11 وذلك لوفرة الشمس عندنا…
رغم هذا فان ¾ ممّا نقتات يؤتي من وراء البحار محملا بمياه افتراضية – تمكن
انتاجه عندنا – ان وفّ-رت فعليّا- تقدر ب18 كم مكعب تقريبا !
2) المواد الطاقية :
تتكون غالبية هذا الركن من وارداتنا من الغاز الطبيعي المستعمل لإنتاج الكهرباء
. ذالك مردّه النّقص الحاصل في هذا القطاع والنّاتج عن سوء التقدير وعدم وضوح
الرؤى في هذا الشأن.حيث انّ مجرّد التفكير فيما يسّاقط علينا من طاقة الشمس
يدفع أهل الشمال لاستنباط الحلول لاستغلالها بينما مفكرينا ونخبنا ،حتى خرّيجي
رحم ألثّ-ورة، يتركهم يلتجؤون الى المخابئ للتوقي منها !
3) من ايجابيات الثورة
عدم الركون الى ما يبدوا قد التزم به اقتصاديّونا ومفكّرونا من أنّ حل مشكلة ما
يكمن في نكران وجودها ، أوعدم التطرق لها اصلا ان وجدت !أما الكد والجد فيحتّما
علينا الاستئناس بما لقّنه لنا معلمونا الافاضل من أنّ ، في الطرح الجيد لمسألة
ما ،يكمن نصف حلها !
لنرتئي اذا حلا بسيطا-قد يتراء للبعض ساذجا حتى – لما تتخبّط فيه البلاد من
اقتصاد هش يوشك على الافلاس .
4) نحو تنمية اقتصادية بديلة و مستدامة
نمط النمّوالمتّبع الى اليوم يكرّس الاعتماد على الصّناعات التحويليّة
والتشغيلية المرتكزة على التصدير ،وهي لعمري اثبتت هشاشتها بصفة جلية بعد
الثورة. فلو فكرنا في انتاج ما نورّد من غذاء مثلا ، لقاومنا البطالة في وكرها
ووفرنا العيش الكريم لفلّاحينا…
– أ-الماء اساس النماء :
الدور الاساسي للفلاحة هو توفير الغذاء للسكّان ، ليست الاراضي تعوزنا لذلك بل
ان ال5 ملايين من الهكتارات المعدة للحرث قادرة ان تنتج كمثيلاتها بسيسيليا
وسردينيا أي ما يعادل 5 اطنان في الهكتار. بل ما يعوزنا هي الموارد المائية
المتجددة التي ماانفكت تتضاءل بفعل التغيّرات المناخيّة الى ان وصل نصيب الفرد
منها 335 م مكعب في سنة 2011 ، بينما الحد الادنى الذي قيّمته منظمة الاغذيّة
والزراعة والكافي لمجابهة الجفاف فهو لا يقل عن 2000 م م. مما يفسر البون
الشاسع بين المتوفر والمطلوب للعيش الكريم؛ بل وتؤكّد نفس المنظمة انه ان كانت
تلكم الموارد دون 1000 م م فلا يمكن الحديث عن تنميّة اقتصادية ولا عن حماية
للبيئة ، وهذا ما نحن فيه !
ان رمنا تحقيق أهداف الثّورة لامناص اذا من معالجة هذا الامر جذريا. وبدون ذلك
نكرّس الحالة الراهنة وما انجرّ عنها من تبعية مقيتة ينكره كلّ من يتوق الى
الكرامة.وما نشاهده من تردّد ‘ نخبنا’ السياسية على ردهات السفارات لخير دليل
على ذلك .
– ب-الشمس طوق النجاة :
مما لا شك فيه اننا نتمتع بأفضلية نسبية في وفرة الطاقة الشّمسية ،يحلم بها كل
من هو في شمالنا، لا تطلب منا إلا التّوظيف المجدي. حيث ان معدل الاشعاع الشمسي
المتناثر على اراضينا ومياهنا الاقليمية يساوي، سنويا، 2000 كيلو واط على كل
متر مربع. بينما نصيب الاتحاد الاوروبي لا يفوق 1000 ك و. رغم ذلك نجد أن
ألمانيا، مثلا، جهّزت على اراضيها محطات لجمع الكهرباء الشمسية بطاقة قصوى تفوق
35 ج واط ، أي ان اشتغلت متزامنة يعادل انتاجها 35 محطة نووية لانتاح الكهرباء
! كما نراها أيضا الآن جاهدة للتموقع في هذا القطاع بين ظهرانينا عبر مؤسسة ‘دزرتاك’
ووليداتها….لانتاج الكهرباء لتموين اقتصادها…
معدل الاستهلاك العائلي السنوي من الكهرباء يعادل، عندنا، ما نناله من الشمس
على كل م² أي 2000 ك و!
منذ 10 سنوات وقع تطوير التقنيات لاستغلال هذه الطاقة المتجددة والنظيفة. بحصاد
يتراوح ما بين 20 و65% حسب الفنيات المتبعة…كما ان طفرة نمو هذا القطاع
والبحث العلمي الذي يصاحبه يماثل ما يشمل قطاع الاعلامية…
ان استغلال هذه الطاقة لتحلية ماء البحر ممكن. حيث انّ تجهيز كم² من اراضينا او
مياهنا الإقليمية يمكنه ان يوفّر- سنويا- 60 مليون م م من الماء العذب و 250
مليون ك ومن الكهرباء. أي أن تجهيز 300 كم² للغرض بحرا و / أو ارضا يكون حصادها
كافيا لتوفير ألرخاء= 25 مليار ك و+ 18 مليار متر مكعب من الماء المحلى
استهلاكنا في 2012 من الكهرباء 15 مليار ك و وحاجتنا من الماء 18 مليار م م….يمكنا
اذا توفيرها جميعا من الطاقة الشمسية بتقنيات اليوم.من يقول انها مكلفة فليذكر
لنا مصنع في الدنيا مواده الاولية مجانية وبضاعته اغلى مما
نروم : ماء وكهرباء وكرامة…
-ج- قرارات حينية :
. دعم المحروقات :
كثر اللغط عن دعم المحروقات في الاونة الاخيرة ، كما تجدر الاشارة ان 60% من
صادراتنا تنتج تحت منظومة”خارج البلاد” اي انها من جملة المنتفعين بالدعم بنسبة
معتبرة. لنبدأ اذا بتوفير اختيار لهذه الشريحة من المنتجين للتزود بالطاقة
الشمسية مجانا ومن انتاجهم ،كليا او جزئيا، او مواصلة التزود كالعادة ولكن بسعر
التكلفة. سنرى مدى استجابتهم لمثل هذا في 3 اشهر !. لنخرج من النمط المسقط من
النظام البائد ونبين اننا جديرين بالاحترام كالآخرين عوضا ان نكون اضحوكة بينهم.
سنرى الدعم” المزعوم ” يذوب كالجليد تحت الشمس !
..مجلة الاستثمارات :
لندرج في مجلة الاستثمارات المزمع اصدارها بندا يخول لكل من ينتصب من
المستثمرين المحليين او الاجانب بالمناطق ذات الاشعاع الشمسي السنوي الادنى
2000 ك و/سنة/م² ، يخول لهم تغطية حاجاتهم من الطاقة الكهربائية مجانا من
انتاجهم على عين المكان. مع العلم ان المناطق الاقل نموّا و”المحرومة” هي
الاكثر حظّا في هذا المجال ! ونكون قد اعطينا دفعا لتنمية هذه الربوع، استوجبته
الثورة. أمّا من يرغب في الانتصاب في مكان آخر فليتزود بسعر الكلفة.
الخاتمة :
لو تم اعتماد ما ذكرنا آنفا طيلة العشر سنوات القادمة :سوف نحقق التعادل في
الميزان التجاري مع الاكتفاء الغذائي والطاقي واستيعاب كل طالبي الشغل والقضاء
نهائيا على البطالة مع انتعاش غابات الزياتين والحقول والمروج بالري. والحد من
التصحر وتآكل الشواطئ وذلك بالحد من ارتفاع مياه البحر التي ان تركت على حالها
– حسبما تصنف البلاد في قائمة 12 دولة الاكثر عرضة لهذه الظاهرة – ستغرق
العاصمة حيث ان ميناء تونس غمرته الان مياه البحر وتفوقه عند اقصى مد ! وتكون
بذلك تونس مثلا يحتذى من دول الجوار التي تعاني من نفس الظواهر. كما نكون حققنا
جميع مستحقات الثورة في الكرامة والحرية.
الكاتب : محمد الشيخ خليفة ، اختصاصي في الاقتصاد العام