هجرة الكفاءات الطبية أو ما يسمى بجهرة الأطباء التونسيين ظاهرة أثارت الجدل مؤخرا بعد الاحصائيات التي نشرتها احدى مؤسسات سبر الاراء والتي تحدثت عن مغادرة 45% من الأطباء التونسيين الجدد المسجلين في هيئة الأطباء سنة 2017 لتونس نحو وجهات مختلفة.
45 بالمائة من الأطباء الجدد غادروا تونس رقم وصفه عميد الأطباء التونسيين الدكتور منير يوسف مقني في تصريح لـ“المصدر” بالمفزع داقا في هذا الاطار ناقوس الخطر مشيرا الى ان النسبة سجلت ارتفاعا صاروخيا من 6 % سنة 2013 الى 45 % سنة 2017 وفق تعبيره.
وبين الدكتور مقني أن هجرة الأطباء موجودة تاريخيا منذ القدم وحتى قبل الثورة ولكن كانت هجرة منظمة في اطار التعاون الدولي وكانت مدتها لا تتجاوز 3 سنوات ثم يعود الطبيب لممارسة عمله في تونس مشيرا الى ان عدد الأطباء حينها لا يتجاوز العشرات واستدرك قائلا “بعد 2011 حصل تغيير لاحظناه على امتداد السنوات الفارطة” وفق تعبيره.
وأوضح مقني أن العمادة اعتمدت مؤخرا جردا لشهادات حسن السيرة التي كانت تسند للاطباء كدليل على تسجيلهم في العمادة وايضا دليل على خلوهم من اي موانع قانونية مضيفا ان هذه الشهادة تطلب عليهم في الدول التي يقصدونها للعمل.
ونوه الى ان هذه الشهادات اظهرت نسقا تصاعديا لهجرة الأطباء انطلاقا من 2013 حيث سجلت نسبة الأطباء الذين غادروا تونس ارتفاعا من 6 % من اجمالي الأطباء المسجلين بالعمادة سنة 2013 الى 45 % سنة 2017 اي ما يعادل 460 طبيب غادروا تونس سنة 2017.
وحذر عميد الاطباء من هذا الارتفاع الجنوني للهجرة مشددا انه في حال تواصلت هجرة الأطباء على هذا النسق فان العدد سيبلغ 650 طبيب سنة 2018 وبعد اربع سنوات أي سنة 2022 سيبلغ عدد الاطباء 1700 طبيب وبالتالي ستعاني تونس من نقص فادح في الأطباء وقد تلجأ الى استيراد أطباء من الخارج وفق تعبيره.
وبخصوص الاختصاصات وأكثر الدول استقطابا للأطباء التونسيين كشف الدكتور منير يوسف مقني أن أطباء الطب العام كانوا يسافرون في السابق الى الخارج في اطار تكوين لمواصلة تخصصهم ومنهم من يعود منهم من يواصل العمل هناك وخاصة في المانيا التي كانت تفتح أبوابها للأطباء حتى قبل انهائهم للتخصص ليواصلوا تكوينهم ومن ثم العمل لديها.
وأضاف في السياق ذاته ان فرنسا ودول الخليج أيضا تعتبران من أكثر الدول استقطابا للاطباء التونسيين سواء في القطاع العام اول الخاص خاصة المختصين في التوليد والتخدير بالنسبة لفرنسا.
وفي سياق متصل أبرز مقني أن الأطباء المستهدفين هم ثلاث أصناف الأطباء الشبان والأطباء ذوي الخبرة التي تتجاوز خبرتهم العشر سنوات وأيضا رؤساء الأقسام والكفاءات مشيرا الى ان استقطاب رؤساء الاقسام في المستشفيات العمومية أصبحت ظاهرة جديدة تشهد ارتفاعا سنة بعد اخرى.
ونبه الدكتور من خطورة استمرار هذا الوضع لما له من انعكاسات سلبية على البلاد وعلى القطاع الصحي في تونس الذي أفرغ من كفاءاته الطبية.
وفيما يخص أسباب الهجرة ودوافعها بين عميد الأطباء أن من ابرز اسباب الهجرة صعوبة النجاح في المناظرات الوطنية وايضا ظروف العمل التي تكون افضل في الخارج أضف الى ذلك الاجور المغرية والتي تبلغ اضعاف اجورهم في تونس بـ10 و15 مرة.
وشدد مقني على انه يتم التركيز في السوق العالمية على الكفاءات الطبية التونسية لان التكوين في تونس جيد ولكن هذا للاسف يعتبر خسارة لتونس ولا يخدم مصلحة قطاع الصحة الذي يتم افراغه من كفاءاته والمتضرر الرئيسي في هذه الحالة هو المواطن التونسي وفق تعبيره.
ودعا محدثنا في هذا الاطار الى ضرورة ايجاد حل لهذا المشكل الذي بات يتفاقم يوما بعد يوم وسنة بعد اخرى وذلك من خلال تحسين المنظومة الصحية في القطاعين العام والخاص في تونس وتطوير معدات العمل وتهيئة ظروف ملائمة لعمل الطبيب بما فيها تأمين الاطارات الطبية من الاعتداءات اللفظية والمعنوية التي يتعرضون لها يوميا في كامل ولايات الجمهورية وسن قانون يحميهم.
ونوه في سياق أخر الى ان وزارة الصحة كانت قد اتخذت جملة من الاجراءات لتحفير الاطباء وتشجيعهم على العمل في تونس وعدم الهجرة.
وتابع مقني” العمادة مهمتها تنظيم القطاع لذلك نبهت من خطورة الوضع ونحن نتجه نحو عقد اجتماع مع كل الهياكل المتدخلة في قطاع الصحة من وزارة الصحة ونقابات ووزارة التعليم العالي لعقد اجتماع والتشاور بهدف توعية الأطباء من مخاطر هجرتهم وايجاد حل للحد من هذه الظاهرة التي ستؤدي بالقطاع الصحة الى هاوية.”