رمزية الاستقلال الذي نحتفل بذكراه الثامنة والخمسين تطرح إشكاليات مختلفة لعديد من الأحزاب السياسية التونسية يمينا ويسارا، وذلك بالطبع لارتباط الاستقلال بالحبيب بورقيبة الزعيم الدستوري الذي أنجزه والذي أدت معارضته العنيفة من قبل عديد التيارات السياسية إلى تشكيكها الدائم في الانجاز وذلك منذ السنوات الأولى مع الحركة اليوسفية مثلا وصولا إلى إسلاميي الاتجاه الاسلامي وحركة النهضة…
…
رمزية الاستقلال الذي نحتفل بذكراه الثامنة والخمسين تطرح إشكاليات مختلفة لعديد من الأحزاب السياسية التونسية يمينا ويسارا، وذلك بالطبع لارتباط الاستقلال بالحبيب بورقيبة الزعيم الدستوري الذي أنجزه والذي أدت معارضته العنيفة من قبل عديد التيارات السياسية إلى تشكيكها الدائم في الانجاز وذلك منذ السنوات الأولى مع الحركة اليوسفية مثلا وصولا إلى إسلاميي الاتجاه الاسلامي وحركة النهضة…
ولطالما كان للإسلاميين موقف رافض تمام الرفض لكل المسيرة البورقيبية وتشكيك واسع في الاستقلال وفي ما بنيت عليه الدولة الحديثة في تونس من قبل الدستوريين وذلك انطلاقا من مسلمات كانت راسخة في حركة الاتجاه الاسلامي ولا تزال حتى في حركة النهضة وملخصها أن "استقلال بورقيبة " قد أفقد البلاد هويتها وأبعدها عن الشريعة الاسلامية ورمى بها في أحضان الغرب إلى غير ذلك من المواقف المعروفة, وظل هذا التوجه صلب حركة النهضة حتى الآن…
ولكن ليس بمستغرب البتة أن تنقض حركة النهضة على رمزية عيد الاستقلال هذه المرة لتحتفل بها وتعبأ جماهيرها عبرها وهي التي وعلى مدى سنتين في الحكم تجاهلت هذه الذكرى أو حاولت قدر الجهد الاستنقاص منها…ليس بمستغرب لأن حركة النهضة ومنذ أن غادرت قصر الحكومة تسعى إلى استعادة المبادرة على مستوى الخطاب السياسي وقد ظهر ذلك جليا من خلال احتفالها بالدستور الجديد وإبراز ما أقدمت عليه من تنازلات من أجله لتسويق خروجها من الحكم لأنصارها…
أما في الحركات والأحزاب السياسية فإن الموقف الرافض لبورقيبة والمستنقص من إنجاز الاستقلال يأتي من منطلق آخر يتعلق بالحريات التي صادرها بورقيبة وحزب الدستور بعيد الاستقلال مباشرة واحتكاره للدولة وللفضاء السياسي برمته, فلم يكن يشفع لبورقيبة كفاحه ونضاله ضد المستعمر لتبرير عنجهية ممارسته للسلطة واقصائه لكل معارض …وتختلف المقاربات المعارضة لبورقيبة والاستقلال بعدئذ من موقف التيارات القومية (ناصرية وبعثية أساسا) المتهمة بورقيبة بالفرنكفونية والتبعية للغرب والتنكر لعروبة تونس ومحاربتها إلى موقف التيارات الماركسية المركز أساسا على عداء الليبرالية والعلاقة بالغرب…
واليوم بعد ثلاث سنوات من الثورة تستعيد ذكرى الاستقلال تدريجيا الاجماع الوطني الواسع حولها اعتبارا بالأساس أن الثورة جاءت لاستكمال "استقلال بورقيبة " المنقوص ..المنقوص حرية والمنقوص ديمقراطية والمنقوص تأصلا. وبالطبع فإن في طليعة الأحزاب التي تعيد قراءة تاريخ الاستقلال على ضوء مستجدات الثورة نجد الأحزاب الدستورية (الكثيرة الكثيرة) ونجد خاصة حركة نداء تونس …وهنا أيضا فإن التنافس على الإرث البورقيبي على أشده لأن الجميع يدرك أن الزعيم الوطني الذي أثخنت أواخر أيامه الأيادي النوفمبرية (بمساعدة عديد الدستوريين في الواقع) بصدد العودة إلى الواجهة وبصدد التحول ، رغم كل الانتقادات ، إلى أيقونة وطنية خالصة، لا يمكن لأي سياسي فطن تجاهلها…