لم تشذ الهيئة الجديدة لمهرجان بوقرنين الدولي عن التقاليد الراسخة للمهرجان والتي تؤثر دوما الاحتفاء بالإنتاج التونسي في شتى أنواع الفنون، فكانت سهرة افتتاح الدورة 39 للمهرجان تونسية الهوى والمحتوى والايقاع.
على ركح مسرح الهواء الطلق الذي ازدان بلوحة كبيرة تحكي رسوخ جبل بوقرنين وكأنها تشهد في دلالتها على عراقة المهرجان ورسوخه في الذاكرة الشعبية، كانت سهرة الافتتاح عرضا جمع بين الموشحات والمالوف والاغاني التراثية التونسية.
زياد غرسة الذي ألف المهرجان وجمهوره كان وفيا لنمطه الغنائي، وللمدارات التي تحرك فيها والده فلم يخف ولعله وووفاءه إليه والتزامه بنهج والده الطاهر غرسة في تحريك سواكن التراث التي ترجمها في مقطوعات موسيقية من تلحينه.
” ناعورة الاختام” و”ناعورة الطبوع” أو ذاك السفر في الموشحات التي تحكي في أصولها مراوحة الترحال بين مرابع الاندلس وصولا الى شذى تونس الخضراء ، كانت الوصلة التي تصدرت العرض ليأخذ الإيقاع حركة رتيبة في البداية ردد معها حفاظ هذا اللون مقاطع قد تصعب على المتلقي حين يروم تجزئة أبياتها إلا أنها تسكن روحه في ايقاعها المسترسل وكأنها صدى جنان الاندلس واحتفاليات قصورها الخالدة .
يرتفع الإيقاع وترتفع معه تدريجيا حركة أنامل زياد غرسة على آلة ” الاورغ” فيصدح المتيم بعشق مقاطع الموشحات “عيني وقلبي نشيد في محبتك ياغزالي” و “ياعاشقين بعد الحبيب زادني عشقا” و “الهوى سلطان حاكم فيا” فتهتز أروقة المسرح مع هذه المقاطع الطويلة وكأنها رجع الصدى بين المكان ومن فيه .
الجزء الختامي من السهرة كان سفرا في جواهر الأغاني التونسية الطربية العتيقة فحضرت أغاني ” اليف ياسلطان والهجران كواني ” و ” لانمثلك بالشمس ولا بالقمرة ” ” و”الي تعدى وفات زعمة يرجع ” و”عرضوني زوز صبايا” وغيرها في توليفة موسيقية تفاعل معها الجمهور الحاضر وأطنب في ترديدها ومعاودتها مرارا وتكرارا ليختمها زياد غرسة بأشهر الأغاني التي ورثها عن والده وألفها واشتهر بها .
سهرة افتتاح الدورة 39 لمهرجان بوقرنين الدولي لئن كانت وفية لتقاليد المهرجان وروحه التي عرف بها كان الحضور فيها متوسطا في عمومه رغم جهد الهيئة المديرة في العمل على تقديم عرض ينهل من التراث ويلبي رغبة طيف واسع من أبناء الجهة التي نشأ بين أحضانها أعلام كبار من أعلام الفن التونسي الذين لم تنساهم الهيئة ليقع تكريم العديد منهم قبل بدء سهرة الافتتاح.
جدير بالذكر أن مهرجان بوقرنين الدولي يتواصل إلى غاية 15 أوت المقبل وقد تضمنت البرمجة الجديدة عروضا مختلفة جمعت بين صنوف الفنون المختلفة مسرحا وعروضا موسيقية لمختلف الفئات العمرية .
ومن أهم العروض التي ستؤثث برمجة المهرجان الأعمال المسرحية : ” ماهوش موجود” لكريم الغربي و”المكي وزكية” للامين النهدي و” مدام كنزة ” لوجيهة الجندوبي وعدد من العروض الغنائية الشعبية لكل من وليد التونسي والهادي حبوبة وزينة القصرينية ونور شيبة، وعرض صابر الرباعي وعرض “ذكريات روسية” للبالي الروسي والعرض الموسيقي لفرقة دار الاوبرا المصرية ومجموعة من العروض الصوفية منها “الزيارة” و”حضرة الأسياد” ويختتم الدورة الفنان الكبير “لطفي بوشناق”.