أكد رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ناجي البغوري، غياب ارادة سياسية حقيقية لدعم الاعلام العمومي على مستوى رئاسات الجمهورية والحكومة ومجلس نواب الشعب، واعادة هيكلته وتوفير الامكانات المطلوبة، لا سيما وان المجالس الادارية للاعلام العمومي غير مستقلة، وفق تقديره، منتقدا ما يتعرض له هذا القطاع من هجمات منذ بداية الثورة وخاصة في فترة حكم “الترويكا”، وما صاحبها من حملات ونعت للمرفق العمومي ب “إعلام العار”.
وقال البغوري، خلال ندوة دولية انتظمت اليوم الجمعة في مدينة الثقافة بالعاصمة، بمبادرة من الاذاعة التونسية بمناسبة احتفالها بالذكرى الثمانين لانبعاثها تحت عنوان “الاعلام العمومي والتحولات الديمقراطية والتكنولوجية “، إنه لا توجد سياسة عمومية للإعلام، وليست هناك رؤية للسلطة إزاء الضبابية التي يتسم بها الخط التحريري، مبرزا ضرورة أن يناقش الفاعلون في المجال الاعلامي والبرلمان والمنظمات المهنية متطلبات المرفق العمومي.
وأوضح ان إقرار سياسة عمومية للاعلام لا تعني التدخل في الخط التحريري، بقدر ما تمثل البوصلة العامة للمرفق العمومي، مبرزا أهمية تشخيص الازمة التي يمر بها الإعلام العمومي واقتراح قوانين فاعلة، وإقرار إصلاحات على مستوى الحوكمة والشفافية والتعديل الذاتي، والإلتزام بالمواثيق التحريرية والاخلاقية داخل المؤسسات، والاستماع الى شواغل الرأي العام، مشيرا الى المسؤولية الاجتماعية للصحفي في القيام بالمبادرة رغم ما يعترضه من عراقيل.
كما انتقد في هذا السياق، عدم استقلالية الإعلام العمومي في ظل غياب الادارة الديمقراطية داخل المرفق العمومي، قائلا “إن وسائل الاعلام مازلت تسير بنفس طرق العهد السابق سواء في علاقة المحررين بادارة التحرير أو التحرير بالادارة أو مسألة الاستقلالية المالية وموضوع الميزانية المرتبطة بالحكومة”، مبرزا ضرورة ضمان حرية الاعلام والتعددية والتنوع الاعلامي من عمومي وخاص وسمعي بصري ومكتوب والكتروني، في ظل التحولات الصعبة التي تشهدها البلاد.
وبخصوص اللوبيات المالية والسياسية، قال البغوري “إنها تحتاج الى وسائل الاعلام لتنفيذ أجنداتها”، في حين ان الاعلام العمومي يموله المواطن ويظل بوصلته في الفترات الانتقالية او العادية ، مضيفا ان الاعلام العمومي هو من يعطي وجهة النظر المتوازنة ويكذب الشائعات، وهو من يسمح لمختلف الاطراف بالتعبير، بما يدعو الى التركيز على استكمال اصلاحه “لأن عدم إصلاحه يعد كارثة على المسار الديمقراطي برمته”، على حد قوله.
وأبرز من جهة أخرى، ضرورة بناء مستقبل جيد لقطاع الإعلام، في سياق التحول الديمقراطي الذي أنقذه من النظام الإستبدادي الذي كان يضع يده على المشهد الإعلامي، ليجعل منه فضاء لحرية الاعلام والصحافة، وذلك بالاستناد الى تشخيص جذري للواقع والمعوقات، وتطلع نحو بلورة رؤية واضحة للاعلام العمومي.
من ناحيته، قال النوري اللجمي رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري “الهايكا”، إن الاعلام العمومي يعد ضرورة لازمة لبناء الديمقراطية، مؤكدا أنه لا يمكن الحديث عن مرحلة انتقال ديمقراطي دون إعلام عمومي قوي حر ومستقل، معتبرا أن الدور الريادي الذي يلعبه الاعلام العمومي في تونس اليوم “يبقى نوعا من الضمانة للوصول الى معلومة صحيحة وجيدة”.
وشدد على أهمية توفير جميع الامكانيات المادية والموارد البشرية اللازمة لمواكبة التطور التكنولوجي، حتى تستجيب مختلف المؤسسات الاعلامية العمومية لطموحات الشعب، لا سيما بعد تشخيص نقص واضح في هذه الامكانيات، مبرزا في هذا السياق، حرص الحكومة على تمكين الاعلام العمومي من الموارد اللازمة حتى يضطلع بدوره بكل حيادية واستقلالية.
وأكد أن الاعلام العمومي يرتكز في جوهره على غايات غير تجارية، بما يجعله يتعمق أكثر في كل ما يمكن أن يؤسس لمجتمع متقدم وديمقراطي، داعيا مختلف العاملين في المؤسسات الاعلامية العمومية الى ايمان بدورهم الاصلاحي لهايكلهم، باعتبار أن دور الاعلام العمومي لا يمكن ان يعوضه اي مرفق خاص، وفق تقديره، ونظرا لحاجة البلاد الماسة اليوم الى اعلام عمومي قوي يواجه كل ما يهدد المسار الديمقراطي.
ولدى تدخله، أبرز ممثل اتحاد إذاعات الدول العربية ياسر جرانة، أهمية القرب من المستمع، مؤكدا أن قضايا الاعلام العمومي تعد اليوم من أهم شواغل الاتحاد، حيث انتظمت العديد من الدورات والندوات في الغرض، في اتجاه النهوض بالقطاع على مختلف المستويات وبالتالي النهوض بالمشهد الاعلامي.
أما فيما يتصل بتموقع الإذاعة التونسية على المستوى الاقليمي، فقد صرح بأنها تتجه بثبات نحو العالمية، باعتبار مشاركتها في التظاهرات المتميزة وما تحصده من جوائز، بالاضافة الى انها قريبة من القضايا الوطنية ومن نبض الشارع.
وفي مداخلته حول “الاذاعة التونسية وتجربة التعديل الذاتي:السياقات والرهانات”، أوضح الجامعي زهير بن حمدان، أن ما يقصد بالتعديل هو مجمل النصوص التي اصدرتها المؤسسة بصفة داخلية وطوعية، والتي من المفروض ان تكون تشاركية لضبط عدد من القيم الاخلاقية والقواعد الحرفية لممارسة الوظائف المنوطة بعهدتها وخاصة التحريرية. منها
واضاف أن هذا المسار كان قد إنطلق سنة 2011 ، باصدار مدونة سلوك انتخابي ثم تبعه اصدار مدونة سلوك وعديد النصوص للتعاطي مع الارهاب والجلسات العلنية لهيئة الحقيقة والكرامة، إلى جانب إصدار مجموعة من النصوص التي جمعت في وثيقة واحدة، والتي من شأنها النهوض بالمرفق الاذاعي العمومي وفق متطلبات الحرفية والشفافية والاستقلالية.