يعتبر قطاع الصحة من القطاعات الحيويّة التي يقاس بها مدى تقدّم الشعوب، وفي تونس فان هذا القطاع العليل مازال يعاني رغم محاولات اصلاحه و النهوض به، وقد تتالت في السنوات الأخيرة الكوارث على غرار وفاة 12 رضيعا بمستشفى الرابطة وصفقة اللوالب القلبيّة الفاسدة والبنج الفاسد وهو ما تسبب في فقدان المواطن ثقته في المنظومة الصحية.
وبالرغم من أنّ الفصل 37 من الدستور ينصّ على أن “الصحّة حق لكلّ انسان .. وتضمن الدولة الرعاية والوقاية الصحيّة لكل مواطن وتوفّر الامكانيات الضروريّة لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحيّة” فإن ما نجده على أرض الواقع هو تردّي الخدمات الصحيّة، واستشراء الفساد وعدم تساوي المواطنين في حق الانتفاع بالخدمات الصحيّة والتفاوت بين الجهات من حيث عدد الأطباء ومن حيث تواجد الاختصاصات الطبيّة.
ويبرز التفاوت بين الجهات في الانتفاع بالخدمات الصحيّة من خلال عدد الأطباء المسجّلين لدى عمادة الأطبّاء وينشطون في ولايات تونس الكبرى(تونس، بن عروس،أريانة، منوبة) والذي بلغ عددهم 5480 من بينهم 3181 في القطاع الخاص، و يتمثل ثاني أكبر عدد في الوسط الشرقي(سوسة، المهدية، المنستير،صفاقس) بـ 4272 طبيبا من بينهم 2493 في القطاع الخاص.
أما في ولايات الشمال الشرقي( نابل وزغوان وبنزرت) فقد بلغ عدد الأطباء 1486 طبيبا من بينهم 922 في القطاع الخاص ، فيما بلغ عدد الأطباء في ولايات الشمال الغربي (الكاف، جندوبة، سليانة،باجة) 791 طبيبا من بينهم 319 في القطاع الخاص.
وكذلك الحال في الوسط الغربي (القيروان، القصرين، سيدي بوزيد) حيث بلغ عدد الأطباء 793 طبيبا من بينهم 337 طبيبا في القطاع الخاص، أما في ولايات الجنوب فنجد الجنوب الشرقي(قابس، مدنين، تطاوين) بـ764 طبيبا من بينهم 406 طبيبا في القطاع الخاص فيما بلغ عدد الأطباء في ولايات الجنوب الغربي (قفصة، توزر،قبلي) 525 طبيبا منهم 154 طبيبا في القطاع الخاص.
ولتبسيط هذه الأرقام فان عدد الأطباء قد بلغ 14111 طبيبا موزعين على كامل تراب الجمهوريّة، تمركز 39 بالمائة منهم بولايات تونس الكبرى و 30 بالمائة بالوسط الشرقي و10 بالمائة بالشمال الشرقي و 6 بالمائة بالشمال الغربي و 6بالمائة في الوسط الغربي و 5 بالمائة بالجنوب الشرقي و4 بالمائة بالجنوب الغربي.
أما الأطباء في القطاع الخاص فقد بلغ عددهم 7713 طبيبا من بينهم 41 بالمائة في ولايات تونس الكبرى و 31 بالمائة في الوسط الشرقي فيما بلغت نسبة الأطباء في الشمال الشرقي 12 بالمائة و4 بالمائة بالشمال الغربي و5 بالمائة بالوسط الغربي و5 بالمائة بالجنوب الشرقي و2بالمائة في الجنوب الغربي.
ويمكن أن نتسائل عن معدّل الأطباء لكل ألف مواطن وهو ما سيمكّن من معرفة عدل هذا التوزيع من عدمه اذا افترضنا أن عدد الأطباء يتناسب مع عدد السكان بكل جهة فانّنا نجد هذا المعدّل : 1.9 بولايات تونس الكبرى و 1.55 بولايات الوسط الشرقي و0.92 بولايات الشمال الشرقي و 0.67 بولايات الشمال الغربي و 0.72 بالجنوب الشرقي و0.82 بالجنوب الغربي.
أما بخصوص القطاع الخاص فقد مثّلت الأرقام صدمة كبرى حيث بلغ معدّل الأطبّاء لكل ألف مواطن 1.13 في ولايات تونس الكبرى و0.87 في ولايات الوسط الشرقي و 0.57 في ولايات الشمال الشرقي فيما بلغت 0.27 في ولايات الشمال الغربي و 0.23 بالوسط الغربي و 0.39 بالجنوب الشرقي و 0.24 بالجنوب الغربي.
هذه الأرقام التي تعكس تمييزا لبعض الجهات على حساب جهات أخرى تتسبّب في جعل المواطنين يعانون بسبب الاكتضاض في مراكز الصحّة والمستشفيات تجعل الأطباء الذين يمارسون مهنتهم داخل الجهات أيضا يجهدون بسبب كثرة المرضى وهو ما يساهم في خلق احتقان بين المريض والطبيب في بعض الأحيان.
كما تعاني الجهات الدّاخليّة من عدم توفّر أطبّاء الاختصاص فمثلا في جهة الكاف لا نجد عيادة لطبيب مختصّ في الأمراض الجلديّة و المضطرّ على العلاج يتوجه الى القطاع العام أين يحتّم عليه أخذ موعد يترواح بين أسبوع وأسبوعين على أدنى تقدير بسبب كثرة المرضى قلة الأطباء.
وأمام هذا الوضع المتردّي فاّن وزارة الصحّة مطالبة باعادة النظر في توزيع الأطباء و في رخص العيادات الطبيّة والضرب بقوّة لتوزيعها توزيعا عادلا يراعي كافة المواطنين ولا يجعل مواطني العاصمة والوسط الشرقي مواطنين من الدرجة الأولى والبقيّة مواطنين من الدرجة الثانية.