أصدر المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” مجموعة من المؤلفات العلميّة والفكريّة والإبداعيّة المختلفة، من بينها كتاب “ولادات السياسة الحديثة : مكيافيلّي/هوبس/روسو” للفيلسوف الفرنسي بيار منان، ترجمة وتقديم وتعليق الأستاذ محمد كراي العويشاوي، مراجعة الدكتور فتحي التريكي.
ويندرج محتوى الكتاب ضمن المؤلفات المهتمة بالفكر السياسي الحديث، حيث خصّصه الفيلسوف الفرنسي المعاصر بيار منان (Pierre Manent ) لأبرز الفلاسفة المؤسسين لهذا الفكر وولاداته المتعدّدة.
ارتبطت الولادة الأولى بمؤسس التنظير السياسي الواقعي الفيلسوف الإيطالي مكيافيلّي، الذي قطع، حسب الكتاب، مع الفلسفة السياسيّة التقليديّة القائمة على الوصايا الأخلاقيّة. فالفكر السياسي برأيه مرتهن بسياقه الواقعي، لذلك يعتبره بيار منان الأب الشرعي للملاحظة العلميّة في المجال السياسي.
وحدثت الولادة الثانية حسب المؤلّف مع الفيلسوف الانقليزي هوبس المسلّم بحتمية بناء العلوم السياسيّة وفقا للقواعد العلميّة، مدعّما الولادة الأولى بمأسسة الممارسة السياسية من أجل إرساء نظام سياسي تعاقدي.
وتترجم الولادة الثالثة التي تمثلها الفلسفة السياسية لدى جون جاك روسو الخواء الأخلاقي لإنسان الأنوار لأسباب مرتبطة أساسا بالتنشئة الاجتماعية، فالطبيعة الإنسانيّة خيّرة لكن نسيجها المجتمعي مفسد، لذلك ينزّل روسو المفردات السياسية ضمن سياقاتها الواقعية، لنستخلص قطيعة هذه الولادات مع الفكر السياسي الطوبوي.
وفي سياق الفكر الطوبوي يتنزل كتاب “الطوباوية حاضرا” وهو مؤلّف جماعي صادر باللغة الفرنسيّة بإشراف الأكاديمي بشير بن عيسى، وبمساهمة أكاديميين وباحثين تونسيين وأوربيين تناولوا “الإيتوبيا” (الطوبوية) من زوايا نظر مختلفة، فاهتم بعضهم بمساراتها التاريخيّة، وتطرّق البعض الآخر إلى “إيتوبيا الفنون وتضاريس الخيال” مثل الباحثة البلجيكية Anne Staquet، التي خصّصت دراستها لعلاقة الخيال بقضايا الراهن، كما عالجت الأستاذة أمينة شنيق الفوارق بين طوباوية المتعة السيكولوجيّة والخيال التأسيسي، فالكتاب يعد مرجعية أساسيّة للمهتمين بمسارات وخصائص الفكر الإيتوبي .
وفي مجال المؤلّفات الجماعيّة نشر المجمع كتاب “المعاناة، الخلق: أساطير وحقائق”، الصادر كذلك باللغة الفرنسية وبإشراف الأستاذة سلمى درويش الكامل، متضمّنا دراسات لنخبة من المختصين في علم النفس السريري (العيادي) والمرضي والسوسيولوجيا وبعض المبدعين حول العلاقة بين المعاناة والخلق، فالواقع الأليم إثراء حسب محتويات الكتاب للطاقة الإبداعيّة، بل هو مصدرها أحيانا.
وتضمّنت سلسلة هذه المؤلّفات التجربة الشعريّة، تلك التي مثّلها كتاب “مجموعة شعريّة وما إلى ذلك…” للأستاذ البشير بن سلامة، الذي شدد في تمهيد الكتاب على أن نصوص الأثر قد دفنها “منذ ما يقارب السبعين سنة”، لذلك يمثّل كتاب “مجموعة شعريّة وما إلى ذلك…” مادّة ثريّة للنقّاد والباحثين المهتمين ببدايات مسيرة الكاتب الإبداعيّة وانشغاله منذ بداية مسيرته الكتابية بقضايا الشأن العام.