أحيا أقرباء الرئيس الراحل، الباجي قايد السبسي، وأصدقاء مسيرته من شخصيات سياسية وثقافية وفنية وإعلامية، يوم الخميس بمدينة الثقافة بالعاصمة، أربعينية الفقيد، وسط أجواء سادتها مشاعر التأثر على رحيله، والفخر بشخصية “رجل الدولة” الذي أسهم في بناء دولة الاستقلال ودولة الديمقراطية الناشئة.
وتضمن برنامج موكب الأربعينية، الذي حضره أفراد عائلة الفقيد ووزراء في الحكومة ومرشحون للانتخابات الرئاسية وقادة أحزاب سياسية ورؤساء المنظمات الوطنية، استعراضا لمسيرة الرئيس الراحل السياسية والمهنية والعائلية، من خلال شهادات قدمها رفاق من فترة دولة الاستقلال، وفي مسيرته المهنية كمحام، وشخصيات تفاعلت معه خلال توليه رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية بعد ثورة سنة 2011.
كما تضمن الموكب ترتيل آيات من القرأن الكريم ومدائح وأذكارا دينية، وإلقاء أشعار أضفت على المشهد روحا تونسية أصيلة كان الفقيد حريصا على إذكائها خلال توليه وظائفه السياسية، وهو المولود في رحاب الولي الصالح والعلامة سيدي بوسعيد الباجي في 29 نوفمبر 1926.
كان “الفقيد العزيز دعامة لحرية الرأي والتعبير ولإرساء الديمقراطية”، ليس فقط في السنوات الاخيرة التي تولى فيها رئاسة الحكومة الثانية بعد ثورة 2011 وانطلاق المسار الديمقراطي، بل ومنذ الخلافات والانقسامات التي شهدها الحزب الحاكم في العهد البورقيبي حول أسلوب الحكم التسلطي، حسب ما أكده أحمد ونيس، الدبلوماسي السابق، ورئيس الجمعية التونسية للامم المتحدة، التي نظمت موكب الأربعينية بالتعاون مع وزارة الثقافة.
قدم الباجي قايد السبسي “63 سنة من العطاء في مسار بناء الدولة الوطنية وإرساء الانتقال الديمقراطي منذ ثورة الحرية والكرامة والشباب”، كما قال رفيق دربه، رئيس الجمهورية الانتقالي، فؤاد المبزع، مثلما قدم “عطاء طويلا” في سلك المحاماة ببداية تولى فيها النيابة في قضايا الوطنيين أمام المحاكم الفرنسية، وبتولي وزارات الداخلية والدفاع والخارجية، ومهام دبلوماسية، كسفير وممثل لتونس في الامم المتحدة.
بعد سنة 2011، أثريت المسيرة السياسية للباجي قايد السبسي بتوليه رئاسة الحكومة الثانية بعد التغيير السياسي (من 27 فيفري 2011 الى 24 ديسمبر 2011)، وبتأسيس حزب نداء تونس، الفائز في الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014، وتوليه رئاسة الجمهورية، إلى يوم وافته المنية في 25 جويلية 2019 .
“زعيم سياسي محنك وقدير ووفاقي يستشير ويأخذ بالرأي المخالف”، كذلك كان الباجي قايد السبسي، كما عرفه الكثيرون ممن عايشوه، ومنهم رئيسة اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية السابقة، وداد بوشماوي، خلال فترة رئاسته للحكومة، وفي مرحلة الحوار الوطني الذي أنقذ تونس من الانقسام والتصادم بعد أزمة المجلس الوطني التأسيسي سنة 2013، وساهم في فوز بلاده بجائزة نوبل للسلام التي منحت للمنظمات الوطنية الأربع الراعية للحوار الوطني.
صوتت للرئيس الفقيد في انتخابات سنة 2014 الرئاسية 2ر1 مليون امرأة من بين 7ر1 مليون ناخب سانده كمكافأة على انحيازه لقضايا تحرير المرأة والمساواة بين الجنسين، وأراد رئيس الجمهورية أن يعزز مكاسبها بتشجيعه على صياغة مشروع قانون الحريات الفردية المتضمن للمساواة بين الجنسين في الميراث، وهو مشروع دعت وداد بوشماوي الطبقة السياسية الى “مساندته” بعد رحيل صاحب المبادرة.
وكما كان سياسيا متميزا، اختص الرئيس الراحل بحس اجتماعي قوي، فساند النقابيين، وتفهم الفئات الشعبية خلال مختلف الازمات الاجتماعية التي عرفتها البلاد، بما فيها تلك التي سجلت عنفا دمويا، فساهم وساعد حسه الاجتماعي على دفع الحوار بين الأطراف الاجتماعية وتحقيق المكاسب لصالح الاتحاد العام التونسي للشغل، حسب ما أكد عليه نورالدين الطبوبي، الامين العام للاتحاد.
وتقديرا لروح الفقيد أوصى الأمين العام لاتحاد الشغل، ب”صون كرامة ومكانة عائلة الرئيس الراحل، الذي كان قريبا من كل العائلات التونسية بمختلف شرائحها”.