“ماذا بعد الكارثة؟” و”الوجع أكبر من الكلمات …” و”الضمير الغائب والقانون المداس” و”المأساة خلفت لوعة لدى التونسيين … حين تغيب الدولة ولا يحترم القانون” و”اختارت مشاركة مخففة في الحكومة … هل تتهرب النهضة من تحمل المسؤولية؟”، مثلت أبرز عناوين الجرائد التونسية الصادرة اليوم الثلاثاء.
تطرقت جريدة (المغرب) في افتتاحية عددها اليوم، الى الكارثة الانسانية التي ذهب ضحيتها 26 شابا بعد انزلاق الحافلة السياحية التي كانت تقلهم من تونس الكبرى باتجاه عين دراهم لتتحول الرحلة الترفيهية الى تراجيديا لعائلات كثيرة وللوطن بأسره مشيرة الى أن التونسيين “يطالبون حكامهم بالعمل بداية على استرجاع فاعلية الدولة وقدرتها الانجازية وأن تتخلص من بيروقراطيتها وأن تكافح الفساد بالمراقبة البعدية لا بتعقيد اجراءات الرقابة القبلية كما فعلنا في رخص استكشاف النفط فينتج عن هذا التصور الطهوري لمقاومة الفساد مزيدا من الركود والجمود ونزع المسؤولية بالكامل عن الفاعل الاداري والاقتصادي”.
واعتبرت أنه من الضروري “فتح تحقيق جدي يضبط مسؤولية كل الاطراف في هذه الفاجعة الاليمة، بما في ذلك مسؤولية الدولة لو ثبت تقصير في التحذير أو في توفير الشروط الدنيا للسلامة .جانب التعويض سريعا لعائلات الضحايا والجرحى أيضا”، مضيفة أنها “تعويضات لن تعوض بالمرة مرارة ولوعة فقدان الابناء والبنات والاخوة والاخوات والاحبة ولكن التحقيق الدقيق والمنصف والتعويض الملائم لهذا المصاب الجلل يعد خطوة جماعية من أجل تصرف انساني وعقلاني في ذات الوقت في انتظار أن يقول لنا حكامنا الجدد ما هي أفكارهم ومشاريعهم لبداية الاصلاح الفعلي”.
وفي سياق متصل، اعتبرت (الصحافة) في مقال بصفحتها الثالثة، أن “الشعب التونسي يتيم دولة، دولة بمؤسساتها وقياداتها وسياسييها ونخبها لا تحرك ساكنا أمام هذه الكوارث ولا يتعدى تدخلها أو ظهروها الا يوم الكارثة حيث تحمل كامل المسؤولية للقدر وتتنصل تماما من دورها في تفادي مثل هذه الكوارث والفواجع المتكررة” مشيرة الى “أننا لم نر سوى لجان تحقيق تتكون ابان الكارثة مهمتها طمس الحقائق والبحث عن كبش فداء يتحمل مسؤولية الكارثة وتنقذ الجالسين على كراسي المسؤولية من مسؤولياتهم”.
وأضافت أن فاجعة عمدون “ليست الاولى ولن تكون الاخيرة لانه منذ سنتين جد مماثل بنفس المنعرج ولم تتخذ الدولة بمؤسساتها اي اجراء وقائي ولم تقم بأي تدخل ميداني في منعرج الموت حتى لا تتكرر مثل هذه الفواجع وحتى لا تكون حصيلة الموتى بالعشرات” متسائلة “هل كان وزير التجهيز الحالي أو الذي سبقه او الذي يليه ينتظر حدوث كارثة بهذا الحجم حتى يقرر اتخاذ بعض الاجراءات؟ وهل كان راشد الغنوشي ينتظر اعتلاءه كرسي رئاسة البرلمان حتى يجتمع بنوابه للبحث في الاسباب والمسببات؟ ومن الذي يحكم منذ سنوات؟ ومن الذي كان شاهد زور على انتهاكات وكوارث حصدت الاخضر واليابس ولم يحرك ساكنا؟”.
من جانبها، أفادت جريدة (الشروق) في مقال بصفحتها الخامسة، أن “حادث انقلاب الحافلة في عمدون هو حادث شبيه بكوارث الطائرات في العالم من حيث الفظاعة وعدد الضحايا والجرحى وما كان ليحصل لو لم تجتمع قبل وقوعه جملة من الاسباب”.
وأضافت ” انه كان بالامكان تفادي هذا الحادث أيضا لو كانت الدولة قوية فعلا وصارمة وغير متسامحة تجاه كل التجاوزات التي تحصل على الطرقات يوميا بدءا بداخل المدن مرورا بالطرقات خارج المدن وصولا الى مثل هذه المساك خاصة الاستثنائية المصنفة و السياحية والموجودة بأكثر من منطقة وعرة وجبلية “.
وأشارت الى أن “المسؤولية يتحملها أيضا المواطن اذ أن السلوك الهمجي على الطرقات يكاد يصبح ظاهرة عادية من حرق الضوء الاحمر وعدم احترام الاولوية والسرعة المفرطة والمجاوزات الممنوعة والانتحارية الى غياب التامين والفحص الفني” مشددة على ضرورة أن تكون “المراقبة استثنائية وصارمة لحافلات النقل العمومي وحافلات الرحلات السياحية والترفيهية والشاحنات الثقيلة وسيارات الاجرة شأنه شأن حالة السواق والتراخيص المسندة للقيام بأي نشاط “.
وأوضحت “انه كان بالامكان أيضا تفادي الكارثة لو كانت الطريق وغيرها من المسالك المصنفة سياحية خاصة والوعرة والخطرة لا تخلو على الاقل ايام السبت والاحد عندما تنشط فيها الحركة من رقابة قارة أو متنقلة ومن ردارات ومن كاميراوات مراقبة لتفادي تجاوز القانون في ما يتعلق بالسرعة وجاهزية الحافلات المستعملة “.
وأبرزت، في سياق متصل، “أن هذا الحادث وغيره كشف أن مسؤولي ومهندسي وزارة التجهيز والسلط الجهوية والمحلية لا يبالون تماما بالخطر ولا يقومون على الاقل بزيارات تفقد دورية للطرقات للاطلاع على حالتها السيئة للغاية ولا يتعاملون بصرامة مع المقاولين رغم ان الاصلاح لا يتطلب ميزانيات ضخمة وهو عادة اقل مما يقع انفاقه احيانا في مسائل اخرى جانبية دون موجب”.
وفي موضوع آخر، أثارت ذات الصحيفة، استفهاما جوهريا حول مدى امكانية القول بأن حركة النهضة تتهرب من تحمل المسؤولية بعد أن اختارت خلال نقاشات مجلس الشورى في دورته الرابعة والثلاثين المشاركة في الحكومة القادمة بشكل مخفف عبر التركيز على وزارات تقنية وعلى رأسها عدد من الوجوه الشابة مشيرة الى أن هذا الخيار يحتاج الى البحث في أسبابه وان كان ذلك قائما على هدف التهرب من تحمل المسؤولية.
وأضافت أن “التساؤل يبدو غريبا لو نظرنا اليه من زاوية قدرات حركة النهضة المكتسبة من عدد من نقاط القوة الموجودة فيها مثل التنظيم المحكم والانضباط الصارم لقواعدها وقياداتها على حد سواء ينضاف اليها ما اكتسبته من خبرة محترمة خلال السنوات الاخيرة بعد مشاركات متعددة في الحكومات المتعاقبة” مشيرة الى أن “ما يدفع الى التساؤل يتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي اذ تقدر أغلب المراكز المتخصصة سواء في تونس أو في خارجها أن السنتين المقبلتين ستكونان من أصعب السنوات التي ستمر على بلادنا ويعسر جدا على أي جهة التصدي لتبعاتها الا في ظل توافق شامل من جميع الاطراف السياسية والمنظماتية والشخصيات الوطنية أي بصورة أوضح أن يعتبر جميع التونسيين أنفسهم أمام مشكل خطير قد يؤدي بهم الى الغرق جميعا في مستنقع لا قرار له مما يدفعهم الى تأجيل خلافاتهم الانية والانطلاق يدا واحدة لانقاذ بلادهم”.
وأفادت بأن “عديد المصادر داخل حركة النهضة تؤكد أن خيار الذهاب الى مشاركة مخففة في الحكومة يهدف الى افساح المجال لعدد واسع من الاطراف السياسية لان تكون موجودة في الحكومة ولكنه في نفس الوقت يتيح تجنب التعرض للصعوبات المعلومة والواضحة وليس من الممكن مواجهتها الا في اطار من التكافل والروح الجماعية” مبينة أن “ذلك لن يمر الا عبر الابتعاد عن الدخول في تنافس عقيم حول مواقع قد تكون كلفتها ثقيلة وترتد بالتالي على أصحابها سلبا”.
من جهتها، اعتبرت جريدة (الصباح) في ركنها (صباح الخير) “أنه كان من الممكن تجنب هذه الحادثة بقليل من الشعور بالمسؤولية تجاه هذا البلد وتجاه ابناء هذا البلاد الذين من حقهم أن يتعرفوا على جغرافية تونس وأن يزوروها من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها دون أن يتعرضوا الى خطر الموت”.
وأشارت الى ” انه لا شىء يمكن ان يخفف من حدة غضب التونسيين الذين تاثروا الى حد الوجع برؤية شباب دفع حياته ثمن الاهمال وموت الضمير والدوس على القوانين لكن الحقيقة هي أن الشعب يدفع نتيجة اللامبالاة في كل المجالات وفي كل القطاعات تقريبا مبينة أن “لا شىء ينجز في تونس في اطار احترام القوانين ولا أحد تقريبا يقوم بما هو مطلوب منه بضمير”.
وأوضحت أن “القضية هي قضية تصرف في المال العام ففي تونس لا شىء واضح رغم كثرة الهيئات الرقابية وكثرة المراقبين وكثرة الاجراءات وكثرة الوثائق وكثرة الامضاءات وكثرة المسؤولين الذين يعهد لهم بمراقبة كل شىء ” مضيفة أن “فاجعة عمدون عرت الحقيقة وهي ان تونس تعاني من ازمة ضمير ومن تفشي منطق الخروج عن القانون ، فلا يمكن الحديث عن الاليات القانونية وعن المؤسسات لان الحقيقة خلاف ذلك”، وفق ما ورد بالصحيفة.