بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التدخين 2022، الذي يتم الاحتفال به سنويا يوم 31 ماي، نظمت المنصة الطبية Med.tn يوم الأربعاء 25 ماي 2022 مائدة مستديرة حول الآثار الضارة للتدخين بحضور أطبّاء مختصين وممثلي وسائل الإعلام.
وتشارك الأطباء الحاضرون، وهم الدكتور ذاكر لهيذب، طبيب قلب وأستاذ سابق بكلية الطب في تونس والمستشفى العسكري والدكتور زبير شاطر أخصائي التغذية الطبية والدكتور رضا بن عريف أخصائي أمراض الرئة والربو والحساسية، مع الصحفيين آخر الأبحاث العلمية والأفكار والملاحظات المتعلقة بالأسباب الرئيسية للمرض والعجز والوفاة في تونس والتي يمكن الوقاية منها.
كما شمل النقاش تطور انتشار التدخين، وسلط الضوء على سياسات التحكم فيه وتقييمه، بالإضافة إلى الاستراتيجيات العلاجية المنصوح بها للإقلاع عن التدخين والبدائل التي تعدّ أقل ضررًا على غرار السيجارة الإلكترونية والتبغ المسخّن.
التدخين في تونس
يتسبّب التدخين في تونس في أكثر من 13.200 حالة وفاة كل سنة، أي 20٪ من مجموع الوفيات في البلاد، ممّا يؤدي إلى ارتفاع التكاليف الصحية فضلا عن الخسائر الاقتصادية. وتجاوزت الخسائر الناتجة عن التدخين في سنة 2019 وحدها، 2 مليار دينار تونسي، وهو ما يمثل 1.8 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتشمل هذه الخسائر السنوية 146 مليون دينار في النفقات الصحية، و1.9 مليار دينار في الخسائر الاقتصادية غير المباشرة بسبب الوفيات المبكرة والمشاكل الصحية إضافة إلى استراحات التدخين في العمل.
وكشف دراسة صحيّة في تونس أن 22.3٪ من البالغين كانوا قد بدأوا التدخين في سنّ 15 سنة وما فوق وكانوا يستهلكون تقريبا علبة سجائر يوميًا في المتوسط. وبحسب أرقام البنك الدولي، فإن معدل التدخين في تونس سنة 2018 بلغ 26.00٪، أي بانخفاض قدره 1.1٪ مقارنة بسنة 2016 حيث كان معدل التدخين 27.10٪ والذي بدوره شهد انخفاضا بنسبة 1.5% مقارنة بسنة 2014. ومع ذلك، تحتل تونس المرتبة الأولى بمعدل تدخين مرتفع مقارنة بمصر بنسبة 21.4٪ أو المغرب بنسبة 14.7٪. ووفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية حول وباء التدخين في العالم لسنة 2019، فإن انتشار التدخين في تونس يفوق جميع البلدان الأخرى تقريبًا في شرق البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا، بعد لبنان وليسوتو الذين يفوق انشار التدخين فيهما تونس. ويبلغ معدل انتشار التدخين بين الرجال في تونس 43.3٪ مقارنة بـ 2٪ بين النساء، مما يجعلها في قائمة البلدان العشرة الأولى التي يوجد بها أعلى معدل لانتشار تدخين الذكور في العالم.
إنّ مكافحة التدخين اليوم في تونس يمكن أن تُجنّب البلاد 55500 حالة وفاة فضلا عن 5.3 مليار دينار من الخسائر الاقتصادية بحلول سنة 2035 كما سيوفر 405 مليون دينار في النفقات الصحية.
طرق المرافقة والمساعدة في الإقلاع عن التدخين
إنّ المساعدة الطبية تبقى الحلّ الأساسي والأنسب في أي سياسة للإقلاع عن التدخين فضلا عن كونها ذات فرص نجاح عالية وتهدف إلى خلق الرغبة في التغيير والحفاظ عليها. كما تعتبر العلاجات السلوكية المعرفية والمساندة عبر الهاتف وأدوات الدعم الأخرى ضرورية لضمان فرص للنجاح في جهود المدخن قصد وقف استهلاك السجائر. وصرّح د. رضا بن عريف أنّه “من الضروري في مرحلة أولى دعوة المدخن للإقلاع عن التدخين. وتكون النصيحة أكثر فعاليّة عندما يدلي بها باحث يسلط الضوء على الآثار الضارة للتدخين ويحذر من التأثيرات المؤذية التي يمكن أن تحدثها السجائر على الصحة. في مرحلة ثانية، يجب رعاية المدخن طبياً وفق منهج منتظم ومحدد بحسب درجة إدمانه وخاصياته الصحية”. من جهته، أضاف د. زبير شاطر أنّ “الدعم المقدّم للمدخن هو أساس العلاج وستحدّد مدى شدّة الإدمان مستوى العلاج ببدائل النيكوتين”. ويقلل هذا الحل بشكل كبير من الرغبة في التدخين، كما يساعد على تخفيف أعراض الانقطاع وعلى منع الانتكاسات بسبب الإدمان.
تخفيض استهلاك التدخين والوقف المؤقت له
ومن المنتظر أن يصل عدد المدخنين في العالم إلى حوالي مليار شخص سنة 2025، وفقًا لتوقعات منظمة الصحة العالمية. ويمثل هذا الرقم تحديًا للمنظمات الدولية للحدّ من تأثير التدخين على السكان، سواء من حيث الصحة أو التنمية المستدامة. ومن ناحية أخرى، فإنّ التكاليف الاقتصادية للتدخين كبيرة وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. وتشمل هذه التكاليف الباهظة علاج الأمراض التي يسببها التدخين بالإضافة إلى الخسائر البشرية والوفيات التي يتسبب فيها.
إن كان الإقلاع عن التدخين ضروري لاستعادة صحة جيدة، فإنّ التخفيض منه يمكن أن يكون مرحلة أوليّة للمدخنين غير المستعدين للإقلاع والإبقاء على استهلاك النيكوتين يوميا عبر التبغ المسخن، وتجنب المواد السامّة الناجمة عن السجائر. وأبرز دليل على هذا في المملكة المتحدة حيث توصي هيئة الصحة العامة في إنجلترا بالسجائر الإلكترونية كبديل أقل ضررا من للسجائر. وفي هذا السياق أكّدت الهيئة الإنجليزية أنّ “مساعدة الناس على الإقلاع عن التدخين من خلال اتاحة التقنيات المبتكرة التي تقلل من المضار الناجمة عن التدخين وتوفير بدائل أقلّ ضررا”. ويتيح هذا العلاج البديل للمدخنين التفكير في الإقلاع عن التدخين، أو حتى تقليل استهلاكهم قبل الإقلاع تماما. دولة اليابان أيضا نجحت في تخفيض استهلاك السجائر بفضل التبغ المسخن حيث أصبحت نموذجا للحد من أضرار التبغ وذلك عبر تقليل مبيعات السجائر بمقدار الثلث تقريبا في غضون ثلاث إلى أربع سنوات منذ اعتماد التبغ المسخن سنة 2014.
وفي مداخلته بخصوص هذا الموضوع صرّح د. ذاكر لهيذب أنّ “بدائل السجائر على غرار السجائر الإلكترونية والتبغ المسخّن تمثّل أدوات للحد من الأضرار ويمكن استخدامها كوسيلة مساعدة للإقلاع عن التدخين بالنسبة للأشخاص الراغبين في الإقلاع عن التدخين”. وأضاف أنّ “أدوية ومنتجات النيكوتين مثل اللاصقات والعلكة… للأسف غير متوفرة في تونس ولا يجوز مطالبة المرضى بإحضار هذه المنتجات من الخارج “. في نفس الوقت، أقرّ د. رضا بن عريف الفوائد المحتملة للسيجارة الإلكترونية في الإقلاع عن التدخين. وأكّد أنّ الإقلاع عن التدخين تدريجيا يكون أسهل وبالتالي فإن السيجارة الإلكترونية يمكن أن تدعم المدخنين في عملية الإقلاع التدريجي عن التدخين.
وتجدر الإشارة إلى أن بدائل السجائر موجودة في الأسواق التونسية ولكن بنسبة ضعيفة. ويبلغ مستخدمو السجائر الإلكترونية في تونس 4٪ من مجموع المدخنين سنة 2019.