يتواجد وفد تونسي حاليا بالعاصمة الامريكية واشنطن في إطارالمشاركة في اجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي وكذلك في جولة مفاوضات، قد تكون الاخيرة، قبل الحصول على الضوء الأخضر من المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بشأن منح تمويل جديد لتونس تتراوح قيمته بين 2 و4 مليار دولار.
ويضم الوفد التونسي، الذّي يشارك في هذه الاجتماعات المنعقدة من 10 إلى 16 أكتوبر 2022، محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، ووزيرة المالية، سهام نمصية، ووزيرالاقتصاد، سمير سعيد.
وتقترب تونس من نيل موافقة المجلس التنفيذي للصندوق على القرض المرتقب، بعد أن لعبت عدة عوامل دورا في ترجيح الكفة لصالح هذه الموافقة رغم اختلاف الآراء وانقسام المجتمع التونسي حول ما قامت به السلطات التونسية من خطوات قد تتماشى مع شروط المؤسسة المالية الدولية لتقديم دعمها المالي لتونس في المستقبل.
ويمكن تلخيص هذه الخطوات في قبول دستور جديد عن طريق الاستفتاء في 25 جويلية 2022 والإعلان عن جدول زمني للانتخابات المقبلة بهدف إنهاء الجدل حول صلاحيات رئيس الدولة و نشر مرسوم بالرائد الرسمي بشأن تنظيم الانتخابات التشريعية، المقرر إجراؤها يوم 17 ديسمبر 2022.
كما أدت الاتفاقية، التّي تمّ توقيعها في سبتمبر 2022 بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل حول زيادة بنسبة 5 بالمائة في أجور القطاع العام إلى قلب الموازين بشكل واضح لصالح تقدم المحادثات مع الصندوق لأجل إبرام اتفاقية مالية جديدة. فقد اشترط صندوق النقد الدولي في العديد من المناسبات انفتاح الحكومة على الشركاء الاجتماعيين “بشأن تنفيذ برنامج إصلاحي مراعٍ للاعتبارات الاجتماعية وداعم للنمو”.
ولم تكن تونس، التّي كانت قبل ثورة 2011 في خانة “التلاميذ الجيدين” لصندوق النقد الدولي، لتلاقي كل هذا العسر في التوصّل إلى اتفاق معه لولا الفشل الاقتصادي، الذّي تردت فيه البلاد بسبب تراخي الحكومات المتعاقبة وغياب التخطيط الاستراتيجي منذ الثورة عن القيام بالاصلاحات الواجبة ولانشغال النخب السياسية بالمعارك الايديولوجية فضلا عن عدم وضوح الرؤية بشأن مآل المسار الديمقراطي ودخول البلاد في أزمة اقتصادية ومالية لا تقل خطورة عن الأزمة السياسية.
ويعاني الاقتصاد التونسي من آثار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، التّي مثلت صدمة خارجية كبيرة انضافت إلى ما خلفته جائحة “كوفيد19″من هزّات اقتصادية انعكست على آلة الانتاج. وتزيد هذه الضغوط من مواطن الضعف الهيكلية الأساسية القائمة في الاقتصاد الوطني. كما تواجه البلاد، مثل باقي دول العالم، تحديات كبرى سببها ارتفاع الأسعار الدولية للطاقة والغذاء وبالتالي زيادة التضخم وارتفاع العجزين المالي والتجاري.
وبالفعل فقد واصل التضخم منحاه التصاعدي في تونس ليبلغ نسبة 9،1 بالمائة في سبتمبر 2022، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء. ومن المتوقع أن يبلغ عجز ميزانية الدولة نسبة 9،7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لكامل سنة 2022.
كما دفع ارتفاع الدولار والزيادة الحادة في أسعار الحبوب والطاقة في أعقاب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وزارة الصناعة والطاقة والمناجم إلى زيادة سعر قارورة الغاز المسال، في 17 سبتمبر 2022 ، ب 14 بالمائة، أي من 7،750 دينارًا إلى 8،800 دينارا، وهي أول زيادة منذ 12 عاما.
كما رفعت الحكومة في أسعار الوقود بنسبة 3 بالمائة وبذلك ارتفع سعر البنزين من 2،330 دينار إلى 2،400 دينار وهي الزيادة الرابعة خلال سنة 2022.
وتضاعف عجز ميزان الطاقة ليصل إلى 6 مليارات دينار في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022 ، مقابل 2،9 مليار دينار في عام 2021.
ولم يكن الانتعاش، بعد تراجع الجائحة الصحيّة، سريع الوتيرة في 2021 كما لن يسجل الاقتصاد التونسي نموا كبيرا هذه السنة، إذ من المتوقع ان لاتتجاوز 3 بالمائة لكامل السنة. يذكر أن نسبة النمو لم تتجاوز 2،6 بالمائة خلال النصف الأوّل من سنة 2022.
في ما سجل معدل البطالة انخفاضا طفيفا ليصل إلى 15،3 بالمائة خلال الثلاثي الثاني من 2022 مقابل 16،1 بالمائة في الثلاثي الاول من السنة ذاتها.
وظل الاقتصاد التونسي يكافح بالفعل لتقليل الاختلال الكبير في الميزانية ولتخفيض مستوى الدين العام، الذّي بلغ في 2021 مستوى 85،6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وهو مستوى مقلق سواء بالنسبة للتونسيين أو بالنسبة لشركاء تونس الاقتصاديين والماليين.
وحسب بيانات ميزانية الدولة لسنة 2022، سيرتفع حجم الدين العمومي لتونس مع نهاية 2022 ، الى 114،142 مليار دينار مقابل 107،844 مليار دينار مع موفي سنة 2021 ، أي بزيادة تفوق 6 مليار دينار.
وسيستحوذ الدين العمومي لتونس بالتالي على 82،57 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي مع موفي 2022 بعد أن كان في حدود 85،56 بالمائة خلال قانون المالية التعديلي لسنة 2021
ويشكل الدين الداخلي البالغ زهاء 41 مليار دينار، 1ر36 بالمائة من إجمالي دين تونس في حين يمثل الدين الخارجي حوالي 72،9 مليار دينار اي ما يعادل 63،9 بالمائة من إجمالي ديون تونس.
ويفضي ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدينار بنسبة 1 بالمائة مقارنة بما هو متوقع لسنة 2022 ، إلى زيادة حجم الدين العمومي بنحو 766 مليون دينار، أي بنسبة 0،55 بالمائة من إجمالي الناتج المحلى.
وإزاء هذا الوضع الاقتصادي الحرج، سيكون توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي حول برنامج جديد للتمويل بمثابة إنعاش وتحفيز لمصادر التمويل الأخرى.
لكن هذا الاتفاق لن يكون كاف لإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية والمالية الخانقة حسب خبراء. فقد صرح الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان لوسائل إعلام محلية، في عديد المناسبات قائلا أن “هذه الاتفاقية لن تكون كافية لإخراج البلاد من المشكل، بالنظر إلى أنه بموجب الحصص، التّي يطبقها صندوق النقد الدولي، لا يمكن لتونس الحصول على أكثر من ملياري دولار على مدى ثلاث سنوات. ناهيك عن سقف المليار دولار سنويا، الذي لا يجوز تجاوزه”.
ودعا الخبير السلطات التونسية إلى الإسراع في الحصول على هذه الأموال ولكن البحث عن حلول محلية أخرى لخلق الثروة والخروج من الازمة.