يستعد الفلاح عمر أحمدي من منطقة عين الكرمة بمعتمدية تمغزة من ولاية توزر، لعملية البذر الثانية في بداية شهر ديسمبر المقبل بعدما قام بأول عملية حصاد لمحصوله من بذور القمح المحلية خلال الأسبوع الأول من شهر نوفمبر، واستحضر مواقف فلاحين واشخاص قريبين منه اعتبروا التجربة صعبة ولا يمكن ان تنجح دون أدوية وأسمدة.
كان تحدي عمر أحمدي، الذي مثل ولايات الجنوب، وبقية الفريق الذي يضم فلاحين في مجال الحبوب من شمال ووسط البلاد، من أجل استعادة البذور المحلية وبذرها بطرق بيولوجية لأكثر من موسم في السنة، لتكون التجربة الأولى من نوعها في تونس التي تراهن على حصاد القمح أكثر من مرة في السنة.
خطوة، لها أهداف عديدة، فإلى جانب دورها في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب، فهي تسعى الى غرس ثقافة فلاحة بيولوجية “خالية من السموم والمواد الكيميائية ، ثقافة استهلاك مواد صحية” حسب تعبيره خلال لقائه صحفية “وات”.
اختار عمر قطعة ارض صغيرة من ضيعته في منطقة عين الكرمة على الحدود الجزائرية تمسح ألف متر مربع، وقام بغراسة 10 أصناف محلية من القمح أنتجت ثلاثة أصناف كان تفاعلها سريعا مع الأرض “واسترجعت ذكرياتها مع الأرض والماء والهواء والشمس” وفق قوله، وكان عطاؤها جزيلا بالرغم من عدم استعمال مواد كيميائية وأسمدة.
أصناف الحبوب “الزوالي والشتيوي والبيدي”، كانت الأسرع في تجاوبها مع الأرض فأنتجت في فترة زمنية لم تتجاوز الأربعة أشهر من بداية البذر الى الحصاد، وفق عمر الاحمدي، ليتم خلال ال10 أيام الموالية حصاد أصناف أخرى من القمح تطلبت وقتا أطول لتحقيق النمو الكامل ليتوصل فريق العمل الى استنتاج علمي بأن بعض الأصناف يمكن غراستها مرتين في السنة مقابل إمكانية غراسة أصناف أخرى لثلاثة مواسم في نفس السنة.
يعمل فريق العمل بعد تنفيذ التجربة الأولى على تعميمها لدى أكبر عدد من فلاحي الحبوب في تونس وتحقيق استفادتهم منها خاصة وأنها زراعة لا تتطلب أسمدة وأدوية كيميائية لتكون بذلك انطلاقة للتحسيس حول الغراسة البيولوجية من أجل أكل سليم، حيث انطلق الفريق في تنفيذ حملات تحسيس وتوعية في التظاهرات التي أقيمت بعدد من الجهات.
وقام الفريق بتوزيع بذور القمح الاصلية مجانا لأكثر من 1800 فلاح في مختلف الولايات سواء للإكثار أو الغراسة للاستهلاك الذاتي فضلا عن توزيع بذور محلية من الخضر والغلال أبرزها القرعيات.
سيدخل عمر أحمدي بداية من شهر ديسمبر في تجربة ثانية بغراسة عشرات الهكتارات في أرضه مستغلا البذور التي أنتجها في التجربة الأولى، موجها رسالة الى الفلاحين والهياكل الفلاحية مفادها ان “البذور التونسية ورغم التخلي عنها وتعويضها ببذور هجينة، إلا أنها ما تزال قادرة على اثبات جدارتها في محصول جيد يحقق الربح للفلاح والاكتفاء لبلادنا من الحبوب”.
جهود عمر الاحمدي وجهود الفريق باكمله ستتواصل طيلة السنوات القادمة الى حين تحقيق هدفهم الذي لئن بدا صعبا الا ان قناعتهم بان عزيمتهم وتجاوب الفلاحين، تلين الصعاب، وفي حال لاقت المبادرة تشجيعا من هياكل الدولة، يصبح من الممكن استعادة “سياتها الغذائية”.