تمّ الإفراج عن صابر الرقوبي، الذي كان بنظر السلطة “المتهم” رقم واحد في قضية سليمان، التي انطلقت بين أواخر 2006 وبداية 2007. آنذلك حكم على صابر بالإعدام شنقا ومعه عماد بن عامر، لكن هذا الأخير تمّ تخفيف حكمه نزولا من الاعدام إلى السجن مدى الحياة، فيما أبقت المحكمة العقوبة كما هي على الشاب صابر الرقوبي، الذي يبلغ من العمر 28 عاما…
حوار مع صابر الرقوبي المحكوم عليه بالإعدام في قضية سليمان: “تعرضت للتعذيب طيلة 19 يوما في الداخلية” |
تمّ الإفراج عن صابر الرقوبي، الذي كان بنظر السلطة "المتهم" رقم واحد في قضية سليمان، التي انطلقت بين أواخر 2006 وبداية 2007. آنذلك حكم على صابر بالإعدام شنقا ومعه عماد بن عامر، لكن هذا الأخير تمّ تخفيف حكمه نزولا من الاعدام إلى السجن مدى الحياة، فيما أبقت المحكمة العقوبة كما هي على الشاب صابر الرقوبي، الذي يبلغ من العمر 28 عاما.
وبعد سقوط النظام السابق وإقرار العفو التشريعي العام، الذي شمل جميع المساجين السياسيين، ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء الأبرياء، تمّ إخلاء سبيل صابر الرقوبي، الذي كانت قد أطلقت من أجله جميع المنظمات الحقوقية العالمية المعروفة مناشدات لإعادة محاكمته في ظروف عادلة بعيدا عن أيّ التلفيقات.
واتهم صابر الرقوبي بقضايا ذات صلة بالأمن الوطني والإرهاب وتدريب مجموعة متطرفة للقيام بأعمال إرهابية (…)، وهي تهم أنكرها ووصف محاكمته بأنها "جائرة"، معتبرا أن "الاعترافات" انتزعت منه تحت التعذيب.
وعلى إثر خروجه من السجن –مؤخرا- قمنا بزيارة صابر الرقوبي في منزله بحي الغدران بولاية سوسة للاطلاع على ظروف اعتقاله وسجنه وملابسات القضية، التي ما تزال قائمة في ذاكرة التونسيين… فكان لنا الحوار الآتي:
من هو صابر الرقوبي؟
أنا من مواليد 1983. ولدت في عائلة محافظة وأبي موظف في الدولة. لم أتوفق في متابعة الدراسة وانقطعت عن التعليم من السنة الثانية ثانوي. والتحقت بالتكوين المهني في الحلاقة. ثمّ تدربت على الطبخ بإحدى الفنادق بالمنستير وبسوسة.
لقد التحقت بالمسجد عام 2004، أي قبل عامين من أحداث سليمان. كنت حديث العهد بالصلاة ليس لدي صلة بأي جماعات إسلامية أو سياسية على الإطلاق. الإسلام دين تسامح وأنا ليست متعصبا كما أرادت السلطة أن تظهرني. حتى لحيتي كانت خفيفة. ورغم أني كنت أرتدي القميص إلا أني كنت أحب اللباس الرياضي لأني كنت مغرما بالرياضة وتدربت في المدرسة العسكرية بسوسة في رياضة الكونغ فو.
متى وقع الإفراج عنك؟
لقد أفرج عني من السجن المدني بالمرناقية، يوم الاثنين 28 فيفري 2011 على الساعة منتصف الليل وتحديدا بمنطقة الدندان. وباعتبار أنّ الوضع الأمني لم يكن مستقرا في ذلك الوقت، لجأت إلى إحدى وحدات الجيش التي استوقفت لي سيارة أجرى، وانطلقت إلى محطة اللواجات بمنصف باي للعودة إلى منزلي.
ما علاقتك بأحداث سليمان؟
أواخر عام 2006 شهدت تونس، معارك بين الشرطة وجماعة إسلامية مسلحة تسللت من الحدود التونسية الجزائرية، ويعتقد أنها تضمّ ستة تونسيين حاولوا الانتقام من النظام بسبب مضايقات بوليسية لنسائهم المحجبات.
وانتشر خبر تسلل المقاتلين إلى الشرطة، التي قامت بشن حملة من التفتيشات بحثا عنهم، وبدأت رحلة البحث في صفوف الشباب المتدين.
لما علمت وأصدقائي المتدينين بأنّ هناك حملة تفتيشات وأنّ الاعتقالات قد تطالنا بسبب مواضبتنا على الصلاة الجماعية وطريقة لباسنا –التي تعرضنا بسببها من قبل إلى الاعتقال- قررنا الاختفاء عن الأنظار قليلا والتوجه إلى منطقة قرمبالية حيث يسكن أحد اصدقائنا.
في الأول انطلقت مجموعة تضم ستة أشخاص وأنا من بينهم. ثم تبعتنا مجموعة أخرى تضم 12 شخصا. كنا ننام في زريبة بمزرعة صديقنا بالليل. وفي النهار نصعد إلى جبل قريب للاستمتاع برؤية الطبيعة وحتى لانثير انتباه والد صديقنا لكثرة عددنا.
وفي يوم من الأيام وقع ما لم يكن في الحسبان، إذ دارت اشتباكات بين مجموعة مسلحة والجيش بمكان قريب منا وتفاجئنا بمروحية تحلق فوق رؤوسنا. كنا نستمع إلى إطلاق متبادل للنار ثم حلقت فوقنا مروحية تابعة للجيش ورمتنا بالرصاص وقتلت فينا أشخاصا ومن شدة الخوف لذنا بالفرار وتشتتنا في الجبل.
لم تكن لنا أي صلة بما كان يجري. لقد وضعتنا الصدفة في ذلك المكان. علما أن أحداث سليمان انطلقت في قرمبالية وانتهت في سليمان بمواجهات مسلحة يوم 29 ديسمبر 2006. وعلى إثرها قتل ستة مسلحون.
متى تمّ اعتقالكم؟
تمّ اعتقالي ومن معي من الناجين يوم 23 ديسمبر 2006، أي قبل أحداث سليمان بثلاثة ايام، وهذا مدون بمحضر التحقيق مما يثبت اننا لم نتورط في أحداث سليمان. عندما ألقى أفراد الجيش القبض علينا في الجبل وجدناهم في حالة توتر شديد واشهروا علينا سلاحهم. ولما قيدونا سلمونا بعد ذلك لفرقة مكافحة الإرهاب التي بدأت تستجوبنا عن الكثير من الاشياء معتقدين أنه كانت بحوزتنا أسلحة وخبئناها…وفي النهاية اقتادونا لوزارة الداخلية.
كيف كانت ظروف استنطاقك في وزارة الداخلية؟
في اليوم الأول، كنت موثوق اليدين والرجلين وحملني أعوان البوليس كالخروف ثمّ طرحوني أرضا أمام مدير الأمن الرئاسي السابق علي السرياطي الذي تذكرت ملامحه من خلال الأخبار بعد الثورة. لقد كان يرتدي معطفا أسود ووضع ساقه على صدري ثمّ أشهر مسدسه وأدخله في فمي وبدأ يصرخ في وجهي: "تحب انطلعهالك من راسك؟ أما بالشوية قبل لازمك تخرج شنوة فيه الساعة".
وبعد ذلك أمر أعوانه بتعذيبي قائلا "هزوا عليّ الكلب". لقد تعرضت للتعذيب طيلة 19 يوما بأبشع الوسائل من صعق بالكهرباء ومن تعليق بالسلاسل من ساقي في السقف بينما رأسي إلى الاسفل وكنت أسمع صراخ الموقوفين من هول التعذيب. لقد كنت أتمني الموت وكنت اقول لهم وجهوا لي اي تهم تريدونها وأنا ساعترف بذلك. لقد كانوا يسألونني عن أشياء غريبة مثل "هل تعلم أين بن لادن؟" و"هل لديك اتصالات بالقاعدة؟" و"ماذا تقول في بن علي"…
لقد كانت الايام الثلاثة الأولى كابوسا حقيقيا. صرت لا انام بسبب استمرار التعذيب في الليل والنهار. لقد تعذبت في عدة أماكن من بينها مكاتب عادية في الداخلية التي كان معلقا فيها صورة الطاغية بن علي وبها طاولة قديمة. أما العذاب الشديد فوقع لي في أحد الدهاليز الملطخة جدرانها بالدماء. كنت أسمع عويل الناس من فرط التعذيب. لقد كانوا يعلقون الخناجر والسيوف والمطارق والسلاسل بطريقة منظمة في الجدران وكان الدهليز مكانا كبيرا شبيها بمحل ميكانيكي مليء بالأدوات الميكانيكية وكانت هناك أماكن مظلمة…لقد كان هناك طبيب يتابع جلسات التعذيب ويقوم بقيس ضغط الدم ونبضات القلب وكنت كلما يغمي عني يقومون بإطعامي ويحقنونني بأشيء لا أعلمها.
وكان الجلادون لديهم كنية مختلفة. وتعرضت للتعذيب على يد مسؤول يلقبونه بالكاسح. وأمضيت على عشرات الوثائق التي تدينني في قضية سليمان واتهموني بأني كنت أدرب مجموعة مسلحة للقيام بأعمال إرهابية وغير ذلك…
بعد انتقالك للسجن كيف كانت ظروف سجنك؟
لقد استمرت معاناتي داخل السجن. فبعدما أمضيت على وثائق الإدانة في قضية سليمان كما أجبروني في الداخلية تم اقتيادي إلى السجن المرناقية في انتظار محاكمتي. لكن ما ان وصلت في اليوم الاول حتى تعرض للتعذيب مرة أخرى.
عندما وصلت الى السجن وما ان تم فتح باب سيارة السجون حتى امسكوا بي وشرعوا في ركلي وضربي وجري على الارض مسافة طويلة وهم يركضون بي وفقدت بعض أسناني جراء الركل بالساق واللكم باليدين.
بعد ذلك وضعوني في حبس انفرادي ونزعوا عني اللثام الذي كان على رأسي وخلعوا ثيابي في وضعيات عارية ومشينة وتكشفوا على عورتي والتقطوا لي صور. لم يقع مفاحشتي. وضربوني في أماكن العورة.
لقد تعرضت للتعذيب على يد مدير السجن عماد الدريدي. ولم تقدم لي اية اسعافات كنت في حالة نفسية صعبة، لأنهم هد دوني بأن عائلتي ستتعرض الى التعذيب اكثر مما تعرضت له أضعاف مضاعفة من التعذيب.
في الشهر الأول كنت لا أنام. دائما تدخل علي مجموعة ملثمة وتقوم بضربي في كل الاوقات بصفة مفاجئة. وأجبروني على الوقوف بسرعة كلما سمعت فتح الباب. وفي الحبس الانفرادي أحسست بالوحشة لأني كنت وحيدا ولا اتحدث مع احد.
وفي يوم من الأيام حملوني إلى المستشفى وسط حراسة مشددة بعد تدهور حالتي الصحية بسبب تعفن فمي من جراء الضرب. لقد هد دوني أعوان السجن بأن لا افوه بكلمة واحدة عما يجري معي داخل السجن أمام الأطباء. وبعد إجراء تلك العملية أصبحت غير قادر على الأكل وأصبحت اشرب الحليب فقط بواسطة مصاصة.
وبعد الشهر الأول من السجن الانفرادي أخذوني لأسكن مع شخصين هما مروان خليفة المحكوم عليه بـ 8 سنوات ومحمد باللطيف المحكوم عليه بـ 30 عام وهما من سوسة. وبقيت معهم لمدة 08 أشهر. ولم نعد نتعرض للتعذيب ولكن بقيت هناك أشياء صارمة.
هل كانوا يسمحون لك بالزيارات؟
بعد ثلاثة أشهر من سجني أصبحت منظمة هومان رايتس الصليب الأحمر تواضبان على زيارتي للاطمئنان على صحتي ووضعي لأنهما كشفا آثار الضرب عليّ. لكن عام 2008 وبعد تثبيت حكم الاعدام علي منعوا عني الزيارات وطلبت في رسالة وجهتها للرئيس المخلوع بأن يطبق علي حكم الاعدام أو يسمح لأهلي بزيارتي.
منذ ثلاث سنوات لم تكن لدي اتصالات بالعالم الخارجي او الداخلي بالسجن، وحتى عندما تسوء صحتي يخرجونني عندما لا يوجد أحد في ساحة السجن.
لكن بعد ثورة 14 جانفي زارتني منظمة هومان رايتس قامت بزيارتي (أريك غولدستون) ويوم 30 جانفي قام بزيارتي الصليب الأحمر. وسمح لأهلي بزيارتي.
هل كانت محاكمتك غير عادلة؟
أنا وأصدقائي لم تكن لنا أي علاقة بأحداث سليمان لقد ورطونا في هذه القضية دون أي دليل. في وزارة الداخلية اكتشفوا أنه لا علاقة لنا بما يجري. لكنهم مع ذلك وجهوا لنا اتهامات خطيرة وانتزعوا من اعترافات تحت التعذيب. في المحكمة رفضت كل الاتهامات وطلبت من القاضي بعرضي على طبيب للكشف عن آثار الضرب لكنه رفض. كان القاضي في الابتدائي يدعى محرز الهمامي، الذي رفض سماع المحامين وهاجمهم وهددهم. وفي الجلسة الثانية حكم علي بالاعدام، وهو حكم وقع تثبيته في بقية الأطوار (الاستئناف والتعقيب). لقد كانت محاكمة سياسية وجائرة بكل المقاييس وتعرضنا جميعا لمظلمة قضائية ورغم المناشدات التي أطلقتها منظمات حقوق الانسان الا أن السلطة رفضت إعادة محاكمتي ورفضت التخفيف من حكمي.
|
خميس بن بريك-تونس |