بات الاقتصاد الأخضر في تونس، باعتباره بديلا حقيقيا لنموذج طالما حافظ على الاقتصاد الريعي الملوث، التزاما حقيقيا لبلد “لم يعد يوجد امامه، فعليا، وقت كاف لاجراء تغييرات هيكلية لا سيما وان التدهور البيئي والاحترار العالمي يؤثر بشكل متزايد على حياة التونسيين”.
وأكدت دراسة أعدتها منظمة “فريدريش إيبرت شتيفتونغ”، وردت تحت عنوان “نحو نموذج اقتصادي جديد قائم على النمو الأخضر والتنمية المستدامة في تونس” وناقشها خبراء ومتخصصون في تونس أواخر جوان 2023، ، ان التدهور البيئي والاحترار العالمي يتطلب تنفيذ انتقال بيئي نحو الاقتصاد الأخضر في تونس التي يتوجب عليها، في اطار التزاماتها الدولية، التخفيض بنسبة 45 بالمائة من انبعاثات الكربون بحلول سنة 2030 بموجب اتفاقية باريس.
وتؤكد ملامح قيظ الصيف في أفق تونس، التي تواجه صعوبات في توفر امدادات المياه والحبوب وزيادة التلوث، حقيقة ان البلاد، التي بنت على امتداد عقود مضت اقتصادا ريعيا ملوثا، ترزح ، حاليا، تحت ثقل التغيرات المناخية وتحتاج بالفعل، وفق الدراسات المتخصصة والخبراء، الى تسريع الخطى نحو الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر والمستدام.
وتدفع عوامل كثيرة في اتجاه تجديد طرح ملف الانتقال الايكولوجي الذي، شكل، مؤخرا، محور عديد الورشات والاجتماعات، وموضوع لقاءات حكومية، لعل اهمها النقص الحاصل في امدادات عديد المواد الاولية وخاصة الحبوب المعدة لصناعة الخبز، التي اعتادت تونس، خلال سنوات عديدة، وعلى الاقل، تامين نسبة هامة من حاجياتها الوطنية وخاصة من القمح الصلب، الى جانب اضطرابات امدادات المياه الصالحة للشرب او للري.
وترى الدراسة ان تآكل رأس المال الطبيعي الناجم عن نموذج النمو التقليدي يهدد التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المدى الطويل فيما ينذر العجز البيئي بالخطر.
واكد معدو الدراسة أن التأخير في إنجاز الانتقال الطاقي في تونس يبدو أنه أثر على التحول البيئي بشكل عام وعطل الانتقال إلى نموذج تنموي جديد، إذ وصل العجز الهيكلي في الطاقة إلى مستويات عالية بشكل غير مقبول، حيث تجاوز 57 بالمائة في عام 2020 وصارت تكلفة الطاقة مرتفعة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية.
وترى الوثيقة ذاتها، أنه دون تعديل جوهري لمزيج الطاقة، لا يمكن السيطرة على العجز…في الوقت نفسه، فإن التحول إلى الطاقات المتجددة من شأنه أن يجعل مواجهة تحديات ندرة المياه والتكيف مع تغير المناخ في القطاع الفلاحي ممكنا وذلك على سبيل المثال، عن طريق تحلية المياه بواسطة الطاقات المتجددة.
وقد تفاقم عجز الميزان التجاري الطاقي، نهاية مارس 2023، بنسبة 43 بالمائة، دون احتساب اتاوة الغاز الجزائري المصدر، ليصل الى 2745 مليون دينار مقابل 1919 مليون دينار في الفترة ذاتها من سنة 2022، وفق النشرية الشهرية مارس 2023 حول الوضع الطاقي الصادرة عن للمرصد الوطني للطاقة والمناجم.
كما تراجعت نسبة الاستقلالية الطاقية لتونس بشكل طفيف موفى افريل 2023، الى 51 بالمائة مقابل 52 بالمائة في نفس الفترة من سنة 2022، حسب المرصد.
تونس تؤسس لانتقال ايكولوجي
تسعى تونس، من خلال الاستراتيجية الوطنية للانتقال الإيكولوجي، التي صادق عليها مجلس الوزراء في 3 فيفري 2023 الى رسم خطط انتقال ايكولوجي على مستوى 5 محاور تتصل بالحوكمة والتمويل والتأقلم مع التغيّرات المناخية، وبالموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي والإنتاج والاستهلاك المستدامين وبمكافحة التلوث،الى جانب تعزيز ثقافة الانتقال الايكولوجي.
وتشكل حزمة تتضمن 53 إجراء اهم التدخلات الضرورية لتسريع الانتقال الايكولوجي وتعزيزه في ظل سعي لاحداث وحدات مكلفة بمتابعة الانتقال الإيكولوجي في جميع القطاعات والهياكل الكبرى وتطوير آليات التمويل والأدوات الاقتصادية المناسبة لدعم هذا الانتقال.
وتعمل تونس في اطار التأقلم مع التغيّرات المناخية، على تنفيذ المساهمة المحددة وطنيا لتونس ضمن اتفاقية باريس للمناخ من قبل جميع القطاعات المعنية، سواء على مستوى التأقلم أو التخفيف وتنفيذ استراتيجية التأقلم والصلابة للسواحل في مواجهة التغيّرات المناخية وإنشاء نظام وطني للإنذار المبكر للمناخ.
وتخطط تونس لوضع رؤية وبرنامج وطني للزراعة المستديمة والمرنة “الفلاحة الإيكولوجية”، وحماية واستعادة وتجديد النظم الإيكولوجية ومكافحة التصحر وتدهور التربة.
وقالت وزيرة البيئة، ليلي الشيخاوي، يوم 26 جوان 2023، خلال اطلاق اللقاءات الوطنية للانتقال الايكولوجي، انه “ينبغي أن تشجع الإجراءات الرئيسية على تجديد وتعزيز آليات وأدوات والوقاية من التلوث، والقضاء التدريجي على النقاط الساخنة للتلوث وإصلاح المواقع الملوثة، بالإضافة إلى إنشاء برنامج عمل وطني للصحة البيئية”.
تونس تحت وقع الحرارة و الجفاف
اتسم شهر ديسمبر 2022 بارتفاع ملحوظ واستثنائي في درجات الحرارة بأغلب المناطق ، إذ تجاوز معدل متوسط درجات الحرارة المعدل المرجعي بمقدار 4ر3 درجة ، مما جعل شهر ديسمبر 2022 يحتل المرتبة الأولى لأشهر ديسمبر الأشد حرارة منذ عام 1950 . كما سجلت سنة 2023، شهر مارس الثاني الاشد حرا منذ سنة 1950، وقد تجاوز المتوسط العام لدرجات الحرارة المسجلة في 27 محطة رئيسية المعدل المرجعي بزائد 7ر1 درجة.
وتتوقع تونس ، وفق معطيات لوزارة الفلاحة، أن لا يتجاوز الإنتاج من الحبوب 5ر2 مليون قنطار خلال موسم 2023، مقابل 11 مليون قنطار سنة 2022، تبعا لانحسار الأمطار وتراجع التساقطات خلال فصل الخريف بنسبة 65 بالمائة وبذر 76 بالمائة، فقط، من المساحة المبرمجة للبذر.
وتؤثر ظاهرة التصحر الاكثر ارتباطا بالتغيرات المناخية على حوالي 75 بالمائة من التراب الوطني بتفاوت بين المناطق ويزيد من حدتها الجفاف وشحّ المياه وانعكاسات ذلك المنظومات الغابية والطبيعية والفلاحية بصفة ملحوظة في حين تشير بيانات تعود الى وزارة البيئة الى ان تونس تنتج أكثر 2 مليون طن من النفايات سنويا، وتمثل النفايات البلاستيكية حوالي 10بالمائة من هذه النفايات،.
وينتهي المطاف بحوالي 500 ألف طن من النفايات البلاستيكية ، التي ينتجها الاقتصاد الريعي، في البحر كل سنة، مما يتسبب في أضرار بيئية جسيمة للنظم البيئية البحرية، إضافة إلى الضرر الذي يلحق بصحة الإنسان، كما يكبد الدولة موارد مالية هامة لاعادة لمكافحة هذه الظاهرة واستصلاح المنظومات.