مساء الأحد الماضي، تناول السيراليوني “حاجي”، المقيم بمخيم مهاجرين غير نظاميين واقع بهنشير “بن فرحات” بمعتمدية “العامرة” (صفاقس)، هاتفه المحمول وخاطب محمد البكري الناشط بالمجتمع المدني المحلي طالبا المساعدة وتوفیر سیارة إسعاف لإمرأة بالمخيم كان داهمها مخاض الولادة.
يروي البكري لفريق وكالة تونس إفريقيا للانباء (وات) الواقعة، وهو في طريق العودة لمدينة “العامرة” بعد زيارات ميدانية لمخيمات المهاجرين المنتصبة بالمنطقة، مرفوقا بثلة من الناشطين بالمجتمع المدني المحلي.
قال المتحدث في هذا الشأن “اتصلت أكثر من مرة بجمعيات دولية وإغاثية وبالرقم “193” المعد للطوارئ لنجدة المرأة الحامل بعد أن داهمها المخاض ولم أتلق أي رد”.
ويتجمع آلاف المهاجرين غير النظاميين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في مخيمات أُقيمت في مناطق مختلفة من ولاية صفاقس الواقعة جنوب شرق البلاد، في انتظار اقتناص اللحظة المناسبة للهجرة سرا عبر البحر باتجاه سواحل أوروبا.
وتحدث رفاق البكري، من الناشطين بالمجتمع المدني بالمدينة، عن تسخيرهم لإمكانيات خاصة لمساعدة المهاجرين حتى لا ينقطع التواصل معهم.
وقالوا إن هذا الأمر سيتيح لهم التدخل وفض النزاعات والمشاكل التي تحدث بين الحين والآخر بين سكان “العامرة” والمهاجرين، وذلك مع التنسيق المستمر مع السلطات في صورة تطور الأحداث.
ويضم “هنشير بن فرحات”، الواقع غرب مدينة العامرة والمعد لغراسة الزيتون، آلاف المهاجرين من جنوب الصحراء، وهم من جنسيات سيراليونية وغينية وإيفوارية ومن النيجر ومالي وغيرها، وفق ما استقاه فريق (وات) من معلومات وما عاينه على عين المكان.
وهذا المخيم هو أحد أكبر المخيمات السبعة عشر (17) المنتشرة بين “العامرة” و”جبنيانة”، التي تأوي مهاجرين أغلبهم غير نظاميين من أفارقة جنوب الصحراء، وفق تأكيد محمد بن فرح الناشط بالمجتمع المدني المحلي بالعامرة في تصريحات لـ(وات).
– آلاف غير محددة .. وأوضاع مزرية
يعيش هؤلاء المهاجرين في المخيمات أوضاعا مزرية وبائسة .. خيم وأكواخ بدائية منتشرة في مساحات من أراض هي على ملك أصحابها من مواطني المنطقة.
استعملوا لنصب مآويهم المؤقتة ما أتيح لهم من شوادر وأغصان زيتون وقش، فضلا عن أدوات فلاحية وبلاستيكية كانت معدة للري ولتركيز البيوت المكيفة الفلاحية، التي وقع إتلافها أو بيعها لهم من قبل بعض “المتمعشين” من وجودهم.
فريق (وات) الصحفي زار صفاقس للتحقيق في ظاهرة الهجرة غير النظامية، وتوجه إلى منطقتي “العامرة” و”جبنيانة”، أين ” سبر أغوار” الملاجئ والمخيمات العشوائية، التي تضم عشرات آلاف المهاجرين وتحيط بأحزمة “العامرة”، هذه المدينة الصغيرة القريبة من شواطئ “العوابد” المعروفة بنشاط “الحرقة” (الهجرة غير النظامية).
وكانت المنظمة الدولية للهجرة ذكرت أن عدد المهاجرين المستقرين بـ”العامرة” و”جبنيانة” لا يتعدى السبعة آلاف، غير أن جميع من التقاهم فريق (وات)، من سكان العامرة وناشطين محليين بالمجتمع المدني، قدروا أعدادهم بأضعاف ما وقع ذكره، وقالوا إنه يمكن أن يناهز الـ 25 ألفا دون اعتبار الولادات الحديثة.
في هذا الشأن، أكد العميد حسام الدين الجبابلي الناطق باسم الإدارة العامة للحرس الوطني، في حوار خاص مع (وات)، أنه لا يمكن حصر أعداد المهاجرين غير النظاميين بشكل دقيق.
وفي المقابل، أكد الجبابلي أن أعداد من وقع ضبطهم أو إحباط محاولاتهم اجتياز الحدود البرية أو البحرية خلسة قدرت، منذ بداية هذا العام وإلى غاية يوم 9 ماي الحالي، بأكثر من 21 ألفا و500 مهاجر من جنوب الصحراء.
-“المستفيدون” .. المتضررون !
تحدث عز الدين عبيد، وهو أحد متساكني قرية “الحمايزية”، لفريق (وات)، بكل أسف وحيرة عن الضرر الذي لحقه وعائلته جراء انتشار مخيمات المهاجرين في محيط قريته وما أصبح يتهددهم من مخاطر.
وقال في هذا الشأن “لم يعد بإمكاني استغلال أرضي وأرض إخوتي .. ولم يعد باستطاعتي أن أمارس حياتي العادية ومتابعة هوايتي والتنقل لمتابعة فريقي المفضل في العاصمة كما كان عليه الشأن في السابق “.
يتابع حديثه ” أنا أعتني بمنزلي وأحرس عائلتي ولا أغادر الحمايزية إلا نادرا ولضرورة قصوى .. سكان القرية لا يتجاوزون 700 نسمة، في حين تعج المخيمات المحيطة بالقرية بآلالاف المهاجرين الغرباء”.
على طول الطريق المؤدية إلى “الحمايزية” انتشر مهاجرو جنوب الصحراء، بين بائع للملابس المستعملة وآخر “للفريكاسي” (أكلة محلية خفيفة)، بل إن هناك منهم من تسوغ محلات ومتاجر من بعض المتساكنين بأضعاف الأسعار المتداولة “، وفق ما أسر به لفريق (وات) عدد من متاسكني المنطقة.
وكشف وفد برلماني، كان زار معتمديتي “العامرة” و”جبنيانة” في وقت سابق، أن مركز الحرس الوطني بالعامرة يتلقى يوميا معدل 20 شكاية من مواطنين محليين تتعلق باعتداءات عامة وخاصة يرتكبها مهاجرون غير نظاميين.
يقول عز الدين عبيد “كانت مخابز القرية تعد 700 رغيف في اليوم تكفي سكان الحمايزية بأسرها، إلا أن الأمر أصبح يقتضي توفير 7 آلاف رغيف على الأقل في ظل تزايد أعداد المهاجرين”.
استدار عبيد موجها نظره إلى أشجار اللوز، التي تزين غابات الزيتون، قائلا ” أين اللوز ؟ لا توجد حبة واحدة في العشرات من الأشجار المثمرة، لقد تم أكلها أو إتلافها”، ويتابع في هذا الشأن ” المهاجرون يستعملون أغصان هذه الأشجار للتدفئة شتاء، وحبها لسد الرمق عند الجوع”.
في أحد مخيمات “الحمايزية “، وجه الشاب الإيفواري “بوزيلا”، في حديثه لفريق (وات)، نداء مفتوحا للجميع، وقال ” نحن نتعرض للمضايقة في كل مكان، ألا يكفيهم نهب خيرات بلداننا ؟ سنذهب إلى أوروبا مهما كلفنا الأمر”.
ثم وجه الشاب الإيفواري الخطاب لصحفيي (وات)، قائلا ” هل يمكنكم احتمال العيش في العراء بين غابات الزيتون ؟ نحن كذلك لا نحتمل الأمر، ولكن أغلبنا عازم على الهجرة”.
تحدث محمد بن فرح الناشط بالمجتمع المدني بـ”العامرة” عن تغير في مواقف أبناء المنطقة من الأوضاع السائدة، وقال إن تضاعف أعداد المهاجرين وجنوح بعضهم للعنف والتخريب وانتشار مظاهر الجريمة وإتلاف المحاصيل والمعدات والتجهيزات الفلاحية جعل “المتمعشين” من وجودهم يتراجعون ويستغيثون هم بدورهم.
يفسر أستاذ علم الاجتماع بكلية الاداب بصفاقس زهير بن جنات، في تصريحات لـ(وات)، تغير الأمر بتزايد المهاجرين غير النظاميين في “العامرة” و”جبنيانة” وتزايد التوتر والاحتقان بينهم وبين السكان المحليين.
وقال إن إتلاف مخيماتهم وإزالتها من قبل قوات الأمن ليس الحل الأنجع، بل ينبغي إيجاد حل جذري للظاهرة، وفق تقديره.
– منظمات دولية وإغاثية غائبة ..
في شهر أفريل المنقضي، قامت المنظمة الدولية للهجرة في تونس، بالتعاون مع الهلال الأحمر التونسي، بتزويد 7 آلاف مهاجر في ولاية صفاقس بسلال أغذية، إلا أنها كانت إحدى الزيارات القليلة للمنظمات الدولية والإغاثية للمنطقة.
وخلافا لما يروج في وسائل إعلام محلية ودولية، يقول السيراليوني”حاجي”، الناطق الرسمي باسم مخيم هنشير “بن فرحات”، “إنهم لم يتلقوا أية مساعدات ولم تتصل بهم أية منظمات منذ سنوات من إقامته بالعامرة”.
صباح يوم الأحد الماضي، كان “أبدو أفاس” يسلك طريق صفاقس، شأنه شأن العشرات من أفارقة جنوب الصحراء الذين اعترضوا فريق (وات) ..
لقد تعود على المشي مئات الكيلمترات على الأقدام، وهو الذي انطلق من بوركينا فاسو وصولا إلى تونس عبر حدودها مع ليبيا.
قال “أفاس” البوركيني “إنه لا يملك جواز سفر، وإنه ترك عائلته وراءه بحثا عن حياة أفضل”، متابعا قوله إنه ينوي الهجرة إلى إيطاليا، وفي انتظار ذلك هو يعمل في جني الزيتون وفي أعمال أخرى مقابل 20 دينارا في اليوم”.
بدوره، أكد “حاجي”، الذي وقع “تكليفه” من أكثر من ألف مهاجر بالتحدث باسمهم، أنهم يريدون الذهاب إلى إيطاليا ولا يطلبون شيئا آخر، موجها نداء إلى السلطات التونسية بقوله “افتحوا البحر أمامنا “.
وفي مقابل ذلك، أكدت السلطات التونسية تقدم العديد من المهاجرين غير النظاميين من جنوب الصحراء إلى العديد من المقرات الأمنية طالبين التدخل لفائدتهم مع المنظمات التي تعنى بالهجرة في تونس قصد تسفيرهم نحو أوطانهم.
وذكر بلاغ للإدارة العامة للحرس الوطني أن قرابة 2500 مهاجر أجنبي عادوا طوعيا إلى بلدانهم منذ بداية العام الحالي، مؤكدا أن أخر رحلات العودة الطوعية كانت يوم 9 ماي الحالي عبر الخطوط الجوية نحو إحدى البلدان الإفريقية، وكان على متنها 166 مهاجرا غير نظامي.
في ميناء الصيد البحري بصفاقس، تعود خافرات السواحل التابعة لإقليم الوسط للحرس الوطني البحري التونسي يوميا وعلى متنها مئات المهاجرين غير النظاميين من جنوب الصحراء بعد إحباط محاولاتهم الهجرة سرا نحو سواحل إيطاليا عبر قوارب “الموت” البدائية.
ويصطف المهاجرون في الميناء تحت حراسة دوريات الحرس الوطني قبل نقلهم في حافلات إلى وجهات، من المؤكد أنها غير التي كانوا يحلمون ببلوغها.