يعجّ أحد مقاهي العاصمة بمنطقة”لافايات” بحرفاء قابعين لا يبارحون مقاعدهم وتحوم من فوقهم خيوط دخان كثيف تتطاير بين الفينة والأخرى وقد حجبت الرؤية. تنبعث من كل هذا الدخان المتعالي في فضاء المكان روائح متمازجة ونكهات مختلفة من تفاح وتوت وتوت بري ونكهة الفانيليا وغيرها تثير حاسة الشمّ ولا تزعجها فتلفت الأنظار بحثا عن مصدرها.
تنبعث هذه الروائح الزكية من السجائر الالكترونية المتقنة صنعا والأنيقة شكلا. تشغل السيجارة الالكترونية بواسطة بطارية تقوم بتسخين سائل منكه يستنشق المُدخن بخاره ثم ينفثه. يرى المراهق أحمد الذي لم يتجاوز عمره الـ16 سنة “أنها أقل ضررا من سجائر التبغ التقليدية”، وتؤيده ندى في ثقة بإيماءة من رأسها، وأحد كفيها يحتضن سيجارتها الإلكترونية.
لم يكن أحمد وندى الوحيدين اللذين يدخنان في هذا المقهى. فالمشهد يكاد يتكرر على طاولاته وكراسيه المنتثرة هنا وهناك. شباب ومراهقون يدخنون هذه السيجارة التي يعتقدون أنها تزيدهم رفعة وتهبهم وقارا وهيبة … هم يحبذون تدخينها كما يميلون أيضا إلى تدخين أنواع أخرى من السجائر من بينها سجائر التبغ المسخن التي اجتاحت هي أيضا المقاهي وبعض الأماكن العامة.
يثير استعمال السجائر الالكترونية قلق منظمة الصحة العالمية التي أكدت وجود “زيادة مثيرة للذعر في استخدام السجائر الإلكترونية بين الأطفال واليافعين إذ تتجاوز معدلات استخدامها في صفوفهم معدلاتها بأوساط البالغين في بلدان كثيرة”.
لا يعي مستعملو السيجارة الالكترونية أضرارها ومخاطرها. وكشفت منظمة الصحة العالمية أن هذه السجائر الالكترونية تؤثر على نمو الدماغ لدى الشباب، فهي لا تخلو من مادة النيكوتين التي تتسبب في الإدمان إضافة إلى أنها تتسبب في الإصابة بالأمراض المعدية للحلق والفم.
وأوضحت الطبيبة المختصة في أمراض الرئة والإقلاع عن التدخين أميرة سلامي في تصريح لـ(وات)، أن النكهات المتنوعة للسجائر الالكترونية يمكن أن تستثير المراهقين، إذ يتم تصنيع سجائر على شكل أقلام لبدية صغيرة الحجم وبتصاميم أنيقة تستهوي الناظرين ويمكن وضعها في المحفظة دون أن ينتبه إليها الأولياء أوالمدرسين وهنا يظهر دهاء المختصين في التسويق، وفق تعبير الطبيبة.
وقالت إن بدائل السجائر التقليدية على غرار السجائر الالكترونية وسجائر التبغ المسخن، لا تخلو من مادة النيكوتين والمواد الكيمائية ومضارها عديدة وتُعتبر مجرد حل مؤقت للإقلاع عن التدخين. ولم يتم إثبات نجاعتها في الإقلاع عن التبغ عند متعاطيه، فضلا عن تسببها في ما بعد بالإدمان عليها.
وتؤدي هذه السجائر وفق ما بينته الأبحاث العلمية، إلى توليد مواد سامة تتسبب في الإصابة بمرض السرطان وفي زيادة خطورة الإصابة باضطرابات القلب والرئة والالتهابات المزمنة.
واعتبرت أن هذه السجائر تنضوي تحت مظلة “الرأسمالية” و”الموضة” التي تدفع الناس إلى اللهفة نحو الاستهلاك “الأعمى” والشراء دون وعي بمحتوى ومكونات هذه المنتجات التي لا تقل خطورة عن مضار السجائر التقليدية.
ودعت سلامي إلى أهمية التحسيس والتوعية بمخاطر التدخين ووسائل التدخين البديلة ضمن المناهج التربوية وفي المنصات الإعلامية من أجل تشكيل وعي سليم للناشئة وتحفيز البالغين على الإقلاع عن التدخين.
من جهتها، أشارت الأستاذة في أمراض الرئة ورئيسة قسم الأمراض الصدرية بمسشتفى عبد الرحمان مامي، سنية معالج، في تصريح لـ(وات)، أن عدد المدخنين من فئة المراهقين السجائر الإلكترونية، بلغ سنة 2021، ما يزيد عن 17.2 بالمائة.
وأثبتت الأرقام والدراسات الوطنية زيادة في معدل تدخين المراهقين الذين سنهم 15سنة فما فوق، للسجائر العادية، إذ بلغ سنة 2021 قرابة 25 بالمائة مقابل 18 بالمائة فقط سنة 2013. ويبدأ المراهقون في ممارسة التدخين منذ سن السابعة، فقد بينت الإحصائيات أن 3.7 بالمائة من هذه الفئة دخنت على الأقل مرة واحدة، وهو ما اعتبرته الدكتورة رقما “مفزعا”.
كما كشفت منظمة الصحة العالمية أن الأطفال أصبحوا يتعاطون السجائر الإلكترونية بمعدلات تفوق مثيلاتها بين البالغين في جميع الأقاليم، ويُقدّر عدد صغار السن من الفئة العمرية 13 / 15 عاماً الذين يتعاطون التبغ ما يصل إلى 37 مليون طفل حول العالم.
وأفادت الدكتورة سنية معالج، بأن وزارة الصحة تنظم بالشراكة مع منظمة الصحة العالمية وكليات الطب الأربع والتحالف التونسي ضد التدخين يوما علميا حول الأنواع الجديدة للتبغ، في إطار اليوم العالمي للامتناع عن التدخين الموافق لـ31 ماي من كل سنة وذلك تحت شعار “يوم عالمي دون تدخين”.
وقالت إن تونس تسعى إلى مكافحة التدخين ومنع ترويج السجائر الالكترونية، مشيرة إلى الدور الكبير الذي تضطلع به الديوانة التونسية في مراقبة دخول هذه السجائر، لافتة إلى انخراط المؤسسات التربوية والتعليم العالي والبحث العلمي في جهود منع التدخين بكافة أنواعه في الفضاء المدرسي والجامعي.
وأكدت أن هناك عددا من البلدان تراجعت في السماح لاستعمال السجائر الالكترونية، لما تحمله من مضار جسيمة على الصحة أثبتتها الدراسات العالمية.
ويؤدي التدخين في تونس إلى حوالي 13200 حالة وفاة سنويا، وهو ما يمثل 20 بالمائة من الوفيات حسب وزارة الصحة.
ويشار إلى أن منظمة الصحة العالمية اختارت هذه السنة “حماية الشباب من تدخل دوائر صناعة التبغ”، موضوعا لليوم العالمي للامتناع عن التدخين ضمن حملة كانت أطلقتها على وسائل التواصل الاجتماعي وفق استراتيجية “من الشباب ولأجل الشباب”.