تم منذ 14 جانفي 2011 إلى اليوم تكوين عدة لجان وهيئات بمقتضى مراسيم وأوامر وذلك للنظر في عدة مسائل ولتنفيذ عدة إجراءات لها علاقة بالإصلاح وبتقصي الحقائق وبالقطع مع النظام البائد وبمحاسبة المتورطين في الفساد وفي …
الشكوك تهيمن على أعمال لجان تقصي الحقائق واسترجاع أموال الشعب في تونس |
تم منذ 14 جانفي 2011 إلى اليوم تكوين عدة لجان وهيئات بمقتضى مراسيم وأوامر وذلك للنظر في عدة مسائل ولتنفيذ عدة إجراءات لها علاقة بالإصلاح وبتقصي الحقائق وبالقطع مع النظام البائد وبمحاسبة المتورطين في الفساد وفي الجرائم وبضمان استرجاع الأموال والممتلكات العمومية المنهوبة من مقربين من بن علي ومن مسؤولين في نظامه الأسود. غير أن الشكوك مازالت قائمة لدى الرأي العام والمواطنين والإعلام والقوى السياسية المختلفة حول مدى حسن سير عمل هذه اللجان والهيئات وحول نجاعة ومصداقية وشفافية أعمالها لتحقيق ماهو مطلوب منها. إذ لا شيء سيضمن عمل اللجان والهيئات المذكورة بعيدا عن كل الحسابات والمجاملات وخاصة عن كل الضغوطات التي قد يحاول بعض المسؤولين السابقين المورطين (واللذين مازال بعضهم ينشط إلى اليوم وكأن شيئا لم يكن) ممارستها عليها حتى تخفي حقائق أو تتكتم عن سرقات أو تحمي مصالح. ويرى الملاحظون أن ما زاد في تعميق هوة الشكوك حول هذه اللجان هو إكساء أعمالها بطابع السرية، وهي سرية تطغى على سير مداولاتها أولا وتهيمن على أعضائها ثانيا من خلال إجبارهم على احترام "السر المهني". فمن جملة حوالي 8 لجان وهيئات ، نجد أن السرية تهيمن على 5 منها وهي "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي" و "اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد" و " اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق حول التجاوزات المسجلة منذ 17 ديسمبر 2010" و"لجنة مصادرة الأموال والممتلكات المنقولة والعقارية" و "اللجنة الوطنية لاسترجاع الأموال الموجودة بالخارج والمكتسبة بصورة غير مشروعة". والمراسيم والأوامر التي أحدثت هذه اللجان الخمس نصت على أن مداولاتها تكون سرية و على أن أعضاءها مطالبون باحترام السر المهني. وهو ما من شأنه أن يوصد الأبواب أمام كل من يرغب في الإطلاع على نتائج أعمال هذه اللجان و تقييمها، أو في انتقادها ،أو في تقييم مدى جديتها ونزاهتها وشفافيتها، وخاصة مراقبة عدم مجاملتها لأطراف معينة أو خدمتها لمصالح أطراف من النظام البائد ممن لا زالوا فاعلين إلى اليوم ولا تزال مصالحهم المالية والاقتصادية قائمة رغم تورطهم في الفساد سابقا. فالمعلومات التي ستتوفر للرأي العام وللصحفيين وللأطراف السياسية الناشطة من أجل حماية الثورة حول ما وصلت إليه هذه اللجان والهيئات من نتائج وحول ما يعترضها من عراقيل وصعوبات وتهديدات أثناء أداء مهامها ستكون حتما شحيحة وهو ما سيجعل الشكوك تحوم حول قيامها بواجبها على أحسن وجه،رغم أن بعضها يحاول من حين لآخر التواصل مع وسائل الأعلام عبر الندوات الصحفية أو عبر الناطقين الرسميين . ورغم أن السرية مطلوبة أحيانا بقوة القانون في مثل هذه المجالات ،إلا أنه كان بالإمكان التفكير في آليات تؤسس لبعض الاستثناءات، خاصة أن الوضع العام للبلاد استثنائي وفي حاجة إلى الشفافية والنزاهة من أجل القطع مع النظام البائد وحماية ثورة الشعب من كل عملية التفاف ومن أجل ضمان استرجاع الشعب لكل حقوقه المتضررة و المسلوبة وأمواله المنهوبة حتى لا توجه أصابع الاتهام لهذه اللجنة أو لتلك الهيئة بالتهاون أو المماطلة في اتخاذ الإجراءات اللازمة أو بمواصلة حماية مصالح مالية أو اقتصادية أو سياسية لرموز من النظام البائد أو لمقربين من الرئيس المخلوع. وكان بالمكان مثلا التفكير في آلية لفتح الأبواب أمام وسائل الإعلام أو لممثلي الأحزاب السياسية لحضور أعمال هذه اللجان بالتداول أو للإطلاع على التقارير التي تعدها أو الوثائق والحجج التي تبلغ إليها وذلك حتى يكون الرأي العام مطمئنا على مصير ثورته في بعض جوانبها وحتى لا تتزايد من يوم إلى آخر موجة الشكوك التي أصبحت الخبز اليومي للمواطن إزاء تحركات الحكومة المؤقتة .
|
وليد ب. |