تحتفل تونس يوم غد الثلاثاء 3 ماي 2011 باليوم العالمي لحرية الصحافة تحت شعار ” وسائل إعلام القرن الحادي والعشرين في خدمة الديمقراطية” وقد أعد مرصد أخلاقيات المهنة الإعلامية التابع للنقابة الوطنية لأول مرة تقريرا تناول فيه بالتشخيص المُفصّل واقع المهنة الإعلامية في تونس قبل وخاصة بعد الثورة. وتعرّض التقرير إلى مختلف …
ماذا في تقرير مرصد أخلاقيات المهنة لنقابة الصحفيين التونسيين؟ |
تحتفل تونس يوم غد الثلاثاء 3 ماي 2011 باليوم العالمي لحرية الصحافة تحت شعار " وسائل إعلام القرن الحادي والعشرين في خدمة الديمقراطية" وقد أعد مرصد أخلاقيات المهنة الإعلامية التابع للنقابة الوطنية لأول مرة تقريرا تناول فيه بالتشخيص المُفصّل واقع المهنة الإعلامية في تونس قبل وخاصة بعد الثورة. وتعرّض التقرير إلى مختلف وسائل الإعلام الوطنية من مرئية ومسموعة ومكتوبة وإلكترونية وإعلام جهوي. واحتوى التقرير على 61 صفحة جاءت تقريبا على كل خصائص ومميزات المهنة الإعلامية في تونس وركّز على العديد من الخروقات التي شهدها القطاع بعد الثورة والتجاوزات المهنية في العمل الصحفي مع التعرض إلى الانفلات الإعلامي الذي حصل في الفترة التي تلت أحداث ثورة 14 جانفي 2011. وبيّن التقرير في ديباجته أن تقييد الحريات الإعلامية على مدى عقود طويلة من الزمن وتهميش الصحفيين والإعلاميين ومنعهم من الاضطلاع بوظيفتهم الاجتماعية كطرف مستقل ومحايد بين السلطة والمجتمع هي من أهم العوامل والأسباب التي ساهمت في تفجير الثورة الشعبية التي قادها الشباب التونسي والتي أطاحت بالنظام الاستبدادي يوم 14 جانفي 2011. ولئن شهد قطاع الإعلام في تونس بعد نجاح الثورة بعض الحركية في اتجاه الانعتاق من القيود التي كبّلته طيلة السنوات الماضية فإن أداءه مازال مضطربا ومرتبكا وبعيدا عن تطلعات المهنيين وانتظارات المواطنين ودون مستوى التحديات الجسام التي تواجهها بلادنا على جميع المستويات. فمازالت قوى الجذب إلى الوراء وبقايا النظام السابق تقف حاجزا أمام الصحفيين والإعلاميين وتسعى إلى تعطيل مسيرتهم نحو التخلص من رواسب الماضي والقطع نهائيا مع ما كان سائدا خلال سنوات الجمر. فجل المؤسسات الإعلامية خاصة في القطاع السمعي البصري ما تزال حكرا على المقربين من النظام السابق ومازال الإعلام الحر والبديل مقصيا من المشهد الإعلامي كما أن العديد من الصحفيين والإعلاميين مازالوا إلى اليوم يتذمرون من التعليمات و"التدخلات الناعمة" في الشأن الصحفي. كما يتسم المشهد الإعلامي التونسي في فترة ما بعد الثورة بقدر كبير في الانفلات والتخبط على مستوى الممارسة والأخلاقيات المهنية وهو نتيجة منطقية لسياسة التهميش التي مارسها النظام السابق لشل كل الطاقات والكفاءات المهنية والتي حولت الصحفيين والإعلاميين خاصة في القطاع العمومي إلى مجرد مستكتبين وأبواق دعاية في خدمة السلطة
وأبرز ذات التقرير أن اليوم وبعد نجاح الثورة الشعبية والإطاحة بالنظام الفاسد لا مناص للصحفيين والإعلاميين من اكتساب آليات عمل جديدة مهنيا وأخلاقيا تقطع مع ما كان سائدا خلال الحقبة الماضية. ويندرج في هذا الإطار إحداث مرصد أخلاقيات المهنة الإعلامية صلب النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بهدف الدفاع عن المهنة وتحصينها من الانزلاقات و الإخلالات والنقائص،وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، أصدر هذا المرصد تقريره الأول مؤكدا التزامه بالعمل جاهدا على أن تكون تقاريره المقبلة بشكل دوري . و أشار إلى بعض الاخلالات المهنية التي وردت في سياق مناصرة الثورة و نقد رموز النظام السابق، وقد أتينا ذلك تأكيدا على علوية المعايير المهنية المعتمدة في قراءة الرسالة الإعلامية و ضرورة تأسيس إعلام بديل لا يكتفي بمجرد تغيير الأسماء وإنما يذهب إلى تحطيم آليات و بنى التفكير السابق، فإعلام بديل لن يكون بدون ثقافة بديلة والتزام صارخ بالحرفية المهنية والمواثيق الأخلاقية. ولفت التقرير انتباه مختلف المؤسسات الإعلامية إلى ضرورة انتخاب هيئات تحريرية وفصل الإدارة عن التحرير في سبيل تهيئة بيئة ثقافية قابلة لاعتماد أنظمة التعديل الذاتي، مما يسمح بإشاعة ثقافة المسؤولية المهنية. فمن غير المجدي الحديث عن قطيعة مع الماضي والتوق إلى صحافة حرة داعمة لمشهد سياسي ديمقراطي، في ظل رموز إدارية قديمة أسهمت في ترسيخ رؤية الرئيس السابق الكارثية للإعلام.
وفي معرض تحليله للمشهد الإعلامي في تونس بعد الثورة وأهم التجاوزات في مجال أخلاقيات المهنة أوضح هذا التقرير أن قطاع الإعلام في تونس شهد منذ ثورة 14 جانفي 2011 نقلة نوعية حقيقية شملت الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية.
فبعد سنوات طويلة من التعتيم والتضييق على حرية التعبير يشهد الخطاب الإعلامي تحوّلا ملحوظا على مستوى المضامين والموضوعات وتغييرا واضحا في الخط التحريري لمختلف وسائل الإعلام. لكن الأساليب بقيت هي نفسها. فالأقلام والصحف التي كانت في الماضي تسبّ المستقلين والمعارضين هي نفسها اليوم التي تمجّد الثورة وتشتم عائلة الرئيس السابق وعائلته. ومازال الخطاب الإعلامي المتداول بعد الثورة يتميز بقدر كبير من العاطفية والتشنج والمغالاة مع الإسهاب في تناول مساوئ الماضي على حساب التطرق لمشاكل البلاد الآنية والقادمة. كما أن الخطاب الرسمي لم يتخلص بعد من رواسب الماضي حيث مازالت بعض العبارات النمطية والخشبية متداولة يوميا في نشرات الأخبار التي تبثها وكالة تونس إفريقيا للأنباء والقناة الوطنية. كما أصبح الإعلام الوطني في ظاهره أكثر التصاقا مع مشاكل المواطن ومع اهتمامات الجهات الداخلية التي انطلقت منها ثورة 14 جانفي لكنه في الحقيقة مازال بعيدا كل البعد عن ما يسمى " صحافة القرب " إذ أنه علاوة على اندثار الصحافة المكتوبة الجهوية فإن النشرات الإخبارية التي تقدمها المحطات الإذاعية الجهوية لا تكاد تختلف في شيء عن النشرات التي تبثها القنوات الإذاعية الوطنية وحتى المساحة الهامة نسبيا التي أصبحت تخصصها الصحافة المكتوبة للجهات فيغلب عليها طابع الإثارة وكثيرا ما تقتصر على تقديم الجوانب السلبية عن الوضع داخل البلاد. كما أنه من اللافت أن مختلف وسائل الإعلام العمومية والخاصة أصبحت تستضيف في برامجها الحوارية التي تبثها على مدار الساعة العديد من الوجوه والشخصيات السياسية التي كان من المحرم حتى مجرد ذكر اسمها في مثل هذه الفضاءات. إلا أن هذا التوجه الجديد أفرز بدوره نوعا من الفلتان الإعلامي ساهم في بروز العديد من الإخلالات والتجاوزات نتيجة محاولة السلطة الانتقالية ومختلف القوى السياسة توظيف الإعلام لخدمة مصالح وأجندات خاصة أو لتصفية حسابات مع الخصوم. إذ أصبح السياسيون ونشطاء المجتمع المدني والمواطنون عامة يستخدمون الصحفيين ووسائل الإعلام كشماعة يعلقون عليها كل الأخطاء والتجاوزات التي تحصل بالبلاد منذ اندلاع الثورة وما أكثرها. كما أنه أصبح من المألوف الزج بالصحفيين والإعلاميين في معارك سياسية وإيديولوجية لا ناقة لهم فيها ولا جمل رغم أنهم مازالوا إلى اليوم لم يتمتعوا بحقهم في الوصول إلى المعلومة وإلى مصادر الخبر ومازالوا عرضة للعديد من المضايقات من طرف السلط والهيئات والمواطنين ويكفي التذكير في هذا الشأن بما تعرض له الصحفيون من صعوبات في العديد من المناسبات خلال تغطيتهم لبعض الأحداث الهامة كالاعتصامات وأنشطة الهيئات الرسمية على غرار الهيئة العليا للإصلاح السياسي وكذلك زيارات بعض المسؤولين الأجانب إلى تونس خاصة زيارة هيلاري كلينتون الشهيرة. ويجدر التنويه في هذا الإطار أنه خلافا لما يعتقده البعض فإن تواتر " حق الرد" و "التوضيحات" التي تصدرها بعض الصحف اليومية أو الوسائط الإعلامية الأخرى لا يشكل بالضرورة مؤشرا عن وجود انتهاكات للقواعد والضوابط المهنية بل هي في أغلب الأحيان نوع من الاستدراك ومحاولة لتصحيح أخطاء وهفوات ترتكبها السلطة أو بعض الأطراف السياسية في تعاملها مع وسائل الإعلام. ومن ناحية أخرى فإن العديد من الصحفيين المستقلين الذين انتظروا سنوات طويلة هذه الفترة التاريخية لممارسة مهنتهم على الوجه الصحيح ما يزالون إلى اليوم مقصيين ومحرومين من ذلك تحت تعلات وحجج واهية من شاكلة عدم الجاهزية أو نقص الخبرة والمهنية. وفي المقابل مازال العديد من رموز العهد السابق في مناصبهم في مختلف المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة يمسكون بزمام الأمور ويحاولون عرقلة مسيرة القطاع نحو التحرر والإنعتاق من قيود العهد البائد. كما سجل القطاع السمعي البصري صعودا مفاجئا لوجوده إعلامية لم يعرف عنها في السابق دفاعها عن حرية التعبير أو أخلاقيات المهنة حيث أصبحوا بعد الثورة نجوما إعلامية ساطعة على قنوات إذاعية وتلفزية، وأفضت هذه الوضعية إلى تداخل خطير في الأدوار بين الصحفيين والمنشطين وإلى السقوط في العديد من السلوكيات والممارسات الإعلامية التي تحسب خطأ على الصحفيين وهم منها براء وما حصل في حصة :" ميدي شو" على إذاعة موزاييك يوم الإربعاء 20 أفريل 2011 خير دليل على ذلك لكنه مع الأسف ليس المثال الأبرز والوحيد. أما صحافيو الإذاعة والتلفزة الوطنية فلم يتمكنوا بعد من جني ثمار الثورة ومازال العديد منهم مقصيا ومهمشا إلى اليوم في حين يتم اللجوء إلى متعاونين من خارج هذه المؤسسات تسند لهم حصريا مهمّة تقديم البرامج الحوارية والملفات وإدارة الحوارات الصحفية مع كبار المسؤولين في السلطة. كما شهدت الساحة الإعلامية بعد الثورة ظاهرة جديدة تتمثل في لجوء العديد من أعضاء الحكومة سواء الحاليين أو السابقين إلى وسائل الإعلام الأجنبية لتوضيح مواقفهم أو حتى لتمرير رسائل للشعب التونسي : أول تصريح لمحمد الغنوشي اثر تسلمه السلطة في تونس حيث أدلى بتصريح للجزيرة في منتصف الليل وكذلك الباجي قائد السبسي (الجزيرة وفرنسا 24 ) ووزير الداخلية السابق فريعة الذي حاورته العربية…) ولعل المثال الأبرز في هذا الإطار نقل وسائل الإعلام التونسية إعلان الوزير الأول محمد الغنوشي استقالته عن طريق بث قناة الجزيرة.
|
م م |