الأكيد أنّ المتابعين للشأن الثقافي في تونس والجمهور العريض يتساءل عن المحتوى والمضمون الذين سيكونان عليهما المهرجانات والتظاهرات الثقافية في تونس خلال هذه الصائفة والتي ستكون بكل المقاييس استثنائية من حيث عدد …
كيف ستكون المهرجانات لهذه الصائفة في تونس وهل ستتماشى وروح الثورة؟ |
الأكيد أنّ المتابعين للشأن الثقافي في تونس والجمهور العريض يتساءل عن المحتوى والمضمون الذين سيكونان عليهما المهرجانات والتظاهرات الثقافية في تونس خلال هذه الصائفة والتي ستكون بكل المقاييس استثنائية من حيث عدد المهرجانات وتوزّعها على كامل تراب البلاد وكذلك مدى ارتباط هذه المهرجانات بالمسائل الأمنية وبالأخص الحرص على تأمين عروض ثقافية ذات محتوى جيّد وملتزم يقطع مع العروض "المبتذلة" السائدة في السابق، فضلا عن الميزانية التي سيقع تحديدها لهذه المهرجانات ومدى التعارض السائد بخصوص الجوانب الاجتماعية الحاصلة في البلاد.
ما يمكن ملاحظته أن المشهد الثقافي في تونس بدأ منذ ثورة 14 جانفي يشهد تغييرا جذريا على العديد من الأصعدة والمستويات لعل أبرزها التحرر في الطرح الثقافي والتعاطي مع المواضيع التي كانت في السابق محظورة وسمحت بالتالي أن يسهم المثقف والمبدع التونسي والإدلاء بدلوه في التحولات السياسية والاجتماعية التي تعرفها تونس عبر عروض مسرحية أو غنائية ملتزمة.
وفي هذا الصدد صعدت في تونس بعد الثورة العديد من المجموعات الغنائية التي كانت محظورة وممنوعة من النشاط الثقافي ولقيت نجاحا منقطع النظير في العروض التي قدمتها بفضل العروض الغنائية الملتزمة والمُعبّرة عن المشاغل التي تعاني منها مجمل شرائح المجتمع من تهميش وإقصاء وقمع. هذا المشهد الثقافي الجديد المساير لمتطلبات الثورة في تونس، سيفرض حتما على وزارة الثقافة والمحافظة على التراث وعبر لجانها المختصة في البرمجة الثقافية لهذه الصائفة برمجة متميزة للمهرجانات الصيفية من حيث العروض الثقافية وخاصة الغنائية منها التي تحظى باهتمام الجمهور العريض.
الثابت والمتأكد أن لتونس العديد من المهرجانات الصيفية الدولية ذات الصيت العالمي على غرار مهرجان قرطاج الدولي ومهرجان الحمامات الدولي وقد أعلن وزير الثقافة والمحافظة على التراث على الحفاظ على موعدي هذين المهرجانيين من منطلق أنهما يمثلان واجهة ثقافية مُهمّة لتونس على مرّ السنين غير أنّ المحتوى لن يكون بالتأكيد مماثلا للسنوات الفارطة إذ أنّ التوجه سيكون مغايرا من خلال برمجة عروض ثقافية وغنائية متميزة وتتماشى ورح الثورة التونسية بجلب فنانين تونسيين وعرب وحتى أجانب عُرفوا بفن ملتزم وذو ذوق راق وعال.
ولئن تمت المحافظة على موعدي مهرجاني قرطاج والحمامات، فإن بقية المهرجانات الدولية على غرار سوسة وصفاقس وبنزرت وطبرقة وكذلك المهرجانات الوطنية والمحلية بكامل تراب البلاد لم يقع الإعلان عن موعدها ومدتها والحال أنّ أغلب المهرجانات تنعقد في شهري جويلية وأوت وهو ما يعني أنه لم يعد هناك متسع من الوقت لبرمجة العروض ورصد الميزانية لهذه المهرجانات والشروع في الاتصال بالفنانين وإبرام العقود معهم. المعلومات المتوفرة لدينا تفيد بأنه لم يقع إلى حدّ الآن تعيين مديري المهرجانات الدولية والوطنية وهو ما يوحي بأن البرمجة لهذا العام قد تكون مقتضبة وستقتصر على بعض المهرجانات الكبرى كما أن مدة المهرجانات قد تكون وجيزة وتمتدّ على أسبوع أو أسبوعين وذلك للعديد من الاعتبارات حسب اعتقادنا، لعلّ أهمها أن الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد وما أفرزه من ضرورة معالجة العديد من الملفات في وقت وجيز وأوكدها الجوانب الاجتماعية وتحسين ظروف عيش التونسيين وتطوير الأجور ودفع التنمية الجهوية بتحقيق العدالة بين كافة الجهات.
الجانب الأمني سيلعب كذلك دورا محوريا على مستوى حسن سير تنظيم المهرجانات وتأمين العروض الفنية والثقافية في أفضل الظروف، إذ أنه من يضمن أن تدور العروض والمهرجانات من دون حصول أحداث شغب أو دخول "مندسين" لإفساد العروض وإجهاضها على غرار ما حصل في بعض مباريات بطولة كرة القدم؟ وكيف سيقع التنسيق مع الأجهزة الأمنية المُكلّفة بالسهر على راحة وأمن الجمهور والحال أن هناك في تلك الفترة العديد من الأحداث التي تتطلب مزيدا من اليقظة من خلال تدعيم اليقظة في الليل وردع عمليات النهب والسرقة وخاصة حماية صابة الحبوب؟
ما يمكن التأكيد عليه في اعتقادنا هو ضرورة أن يقع تنظيم المهرجانات الصيفية في تونس كرسالة وإشارة قوية بأن الوضع بدأ يعود إلى سالف طبيعته وانه من حق التونسيين الترفيه عن أنسهم و الخروج من حالة الريبة والشك التي انتابتهم بعد 14 جانفي 2011!!!
|
محرز الماجري |