شاءت الأقدار بعد الثورة أن تهيمن الدّولة التونسية على قطاع الاتصالات رغما عن أنفها، مع أنها التزمت منذ أواخر الثمانينات بسياسة تحرير الاقتصاد وخوصصة المؤسسات العمومية…
تونس- الدولة تهيمن على سوق الاتصالات رغما عنها |
شاءت الأقدار بعد الثورة أن تهيمن الدّولة التونسية على قطاع الاتصالات رغما عن أنفها، مع أنها التزمت منذ أواخر الثمانينات بسياسة تحرير الاقتصاد وخوصصة المؤسسات العمومية.
فبعدما كانت تمتلك 65 بالمائة من شركة "اتصالات تونس"، مقابل 35 بالمائة لشريكها الإماراتي "تيكوم ديغ"، ها قد أصبحت الدّولة تمسك، بعد الثورة، بـ25 بالمائة من أسهم أوّل مشغل خاص للاتصالات "تونيزيانا"، بالإضافة إلى 51 بالمائة من ثاني شركة اتصالات خاصة "أورونج تونس"، بعد صدور المرسوم المتعلق بمصادرة أملاك أفراد عائلة بن علي وتعيين متصرفين قضائيين على الشركات التابعة لهم.
وتعود الحصة التي تهيمن عليها الدولة في "تونيزيانا" إلى صهر الرئيس المخلوع صخر الماطري، الذي تقاسم نهاية العام الماضي مع "الشركة الوطنية للاتصالات" الكويتية التابعة لشركة الاتصالات "كيوتل" القطرية، شراء حصة "أوراسكوم تيليكوم"، التي كانت تمتلك "تونيزيانا" بالمناصفة مع "الشركة الوطنية للاتصالات"، واضطرت إلى بيع أسهمها بسبب وضعها المالي الصعب.
وعاد صخر الماطري إلى سوق الاتصالات في تونس من النافذة بعدما أغلق أمامه الباب بعد أن خسر منذ أكثر من عام صفقة الحصول على رخصة الاتصالات الثالثة مع حليفه المستثمر التركي "تركسل"، الذي لم يكن عرضه التجاري والتقني مغريا بالنسبة للحكومة، مقارنة بما قدمته "فرانس تيليكوم" وشريكها مروان مبروك آنذاك.
وتعود الحصة التي "تمتلكها" الدولة في شركة "أورونج تونس" إلى صهر الرئيس مروان مبروك، الذي كان يمتلك بواسطة شركته "ديفونا تيليكوم" 51 بالمائة من أسهم "أورونج تونس"، مقابل 49 بالمائة من الأسهم لفائدة "فرانس تيليكوم"، وذلك بعد فوزهما منذ حوالي 14 شهرا برخصة استغلال شبكة الهاتف الجوال من الجيل الثاني والثالث في تونس.
وبما أنّ الدولة رخصت لشركة "أورونج تونس" احتكار استغلال رخصة الهاتف الجوال من الجيل الثالث لمدّة عام فقط طبقا للعقد المبرم مع المستثمرين المعنين، هاهي تمنح الآن نفس ترخيص استغلال شبكة الاتصالات من الجيل الثالث لفائدة مؤسستها العتيقة "اتصالات تونس"، بعد مصادقة الرئيس المؤقت على هذا الترخيص وصدوره بالرائد الرسمي نهاية الشهر الماضي.
وسيكون هذا الترخيص بمثابة المتنفس الكبير لشركة "اتصالات تونس"، التي ستروج في الفترة المقبلة خدمات جديدة تعوضها النقص في الأرباح الذي لحق بها جراء استمرار إضراب النقابة، احتجاجا على إبقاء الإدارة على أصحاب الأجور المرتفعة، ولو أن هناك أخبار تقول إن الإضراب قد يعلق يوم الخميس المقبل، في إشارة إلى قرب الخروج باتفاق بين النقابة والإدارة.
ومن غير المستبعد، أن تكثف شركة "تونيزيانا" من جهودها، خاصة وأنّ أحد "المساهمين" فيها الآن ليس سوى الدولة، من أجل تسريع مسار المفاوضات مع الحكومة للحصول على ترخيص لاستغلال شبكة الاتصالات من الجيل الثالث وتعزيز موقعها في السوق، وهو أمر قد يدر على الدولة كما على المستثمرين الكويتيين والقطريين أموالا كثيرة، بحكم الانتعاشة الكبيرة التي يشهدها سوق الاتصالات والإنترنت في البلاد.
لكن السؤال الذي يبقى أكثر إلحاحا الآن، في ظلّ غياب حكومة شرعية منبثقة عن انتخابات، هو مصير الأسهم التي تصادرها الآن الدولة، والتي جعلت منها طرفا مهيمنا رغم أنفها على سوق الاتصالات.
فكيف سيتمّ من الناحية القانونية تسوية الأسهم التي تصادرها الحكومة. وهل ستقوم بالاحتفاظ بها أم ستقوم بالتفويت فيها إلى الخواص أو للبنوك التي لم تستخلص ديونها بعد من صخر الماطري ومروان مبورك؟
|
خ ب ب |