على مدى العشريتين الأخيرتين ، كانت الحيرة تسيطر على التونسيين بخصوص الشهادات الصادرة عن الدول الأجنبية والهياكل الاقتصادية العالمية والتي تقول دائما أن الاقتصاد التونسي بصدد تحقيق نتائج جيدة ويسير في الطريق السليم….
تونس – كيف كان بن علي يحصل على شهادات دولية حول تطور الاقتصاد ؟ |
على مدى العشريتين الأخيرتين ، كانت الحيرة تسيطر على التونسيين بخصوص الشهادات الصادرة عن الدول الأجنبية والهياكل الاقتصادية العالمية والتي تقول دائما أن الاقتصاد التونسي بصدد تحقيق نتائج جيدة ويسير في الطريق السليم. فأغلب المواطنين التونسيين كانوا يتساءلون طوال سنوات حكم بن علي كيف لهذه الدول والهياكل أن تشهد بنمو اقتصادنا وبتحقيقه نتائج جيدة على أكثر من صعيد والحال أن نسبة الفقر كانت تتزايد من يوم لآخر لدى عدد كبير منهم وأن مستوى المعيشة كان في تدن مستمر بسبب غلاء الأسعار وضعف الأجور وارتفاع عدد العاطلين عن العمل وأن الاقتصاد كان هشا في أغلب القطاعات. وللإجابة عن سر هذا التناقض الصارخ بين ما كانت تشهد به الدول والمنظمات الأجنبية وبين الواقع الحقيقي للبلاد سألنا مختصا في المجال الاقتصادي فأفاد بأن ذلك كان يحصل فعلا . وأكد انه إضافة إلى شهادات "الزور " حول الوضع الاقتصادي في تونس التي كانت تصدر عن بعض الهياكل والمنظمات وحتى عن بعض الدول ( وبعض هذه الشهادات كان النظام البائد يسعى للحصول عليها أحيانا بطرق ملتوية ) ، فإن شهادات أخرى كانت حقيقية غير أنها مبنية على أسس لا تمت للشأن المعيشي للمواطن بصلة. ووضح المتحدث أن أغلب الهياكل والمنظمات العالمية التي تصدر عنها مثل هذه الشهادات (مثلا البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنتدى دافوس و…) كانت تعتمد على معايير محددة لا تمت للواقع المعيشي الداخلي للبلد وتسمى بلغة الاقتصاد "المعايير الاقتصادية الكلية أو الجملية "(critères macro-économiques ) ومنها مثلا معيار نسبة النمو في البلد أو معيار الناتج الداخلي الخام (PIB) ومعيار عجز الميزانية أو العجز الاقتصادي وكذلك معيار تغطية الصادرات بالواردات أو معيار التضخم إلى غير ذلك من المعايير التي لا تهم سوى الجانب العام من الاقتصاد. أما المعايير التي تهم الوضع المعيشي الحقيقي للمواطن ، وتسمى "المعايير الاقتصادية الجزئية " (critères micro-économiques) فإن هذه المنظمات والهياكل الدولية لم تكن تأخذها بعين الاعتبار إلا بنسبة قليلة ، على غرار ارتفاع الأسعار في السوق المحلية أو تدني الأجور أو ارتفاع الأداءات الجمركية والضرائب أو ارتفاع أسعار مواد معينة إلى غير ذلك .. فالدول الكبرى والهياكل والمنظمات العالمية لم تكن" تحاسب " الدول الصغرى إلا بناء على ما حققته من نتائج على الصعيد الجملي (macro) وليس على الصعيد الجزئي (micro) لأن ذلك هو الذي يعنيها أكثر ويؤكد لها أن الدولة متماسكة على الصعيد الدولي أم لا وقادرة على الاقتراض الدولي وعلى تنفيذ بعض البرامج والتوجهات التي تطلبها القوى الكبرى في العالم . أما ارتفاع الأسعار محليا وتدني الأجور وارتفاع نسبة الفقر وارتفاع نسب الضرائب فإن ذلك تعتبره شأنا محليا لا يهم وضع الدولة على الصعيد العالمي. وبما أن نظام الرئيس السابق كان يسعى إلى حصد أكثر ما يمكن من الشهادات الدولية حول الوضع الاقتصادي لتونس ، فقد تمادى في هذا التوجه وأصبح شغله الشاغل هو كيفية تطوير المعايير الكلية وتلميعها على حساب المعايير الجزئية التي كانت لا تعنيه كثيرا. وبذلك يمكن أن نفهم الحيرة التي كانت تصيب التونسيين عندما يستمعون طوال سنوات العهد البائد إلى شهادات دولية رنانة حول الوضع الاقتصادي في تونس في الوقت الذي كان فيه أغلبهم يعاني ويلات الفقر والخصاصة والحرمان.
|
وليد ب. |