دخل أعوان الشركة التونسية للسكر في إضرابهم لليوم الثاني على التوالي احتجاجا على تردّي أوضاع هذه المؤسسة العمومية، الغارقة منذ سنوات في الخسائر والديون تجاه البنوك والشركة الوطنية لتوزيع المحروقات…
تونس- لماذا لا تتحرّك الحكومة لإنقاذ الشركة التونسية للسكر؟ |
دخل أعوان الشركة التونسية للسكر في إضرابهم لليوم الثاني على التوالي احتجاجا على تردّي أوضاع هذه المؤسسة العمومية، الغارقة منذ سنوات في الخسائر والديون تجاه البنوك والشركة الوطنية لتوزيع المحروقات…
والشركة التونسية للسكر، التي تمتلك مصنعا للتكرير بولاية باجة، أصبحت عبارة عن "طاحونة"، يقتصر نشاطها الأساسي منذ أوت 2009 على رحي السكر الخام، الذي يقوم بتوريده (إضافة إلى السكر الأبيض) الديوان التونسي التجارة.
فبعد سنوات من جني الأرباح، أصبح مستقبل الشركة بين فكي كماشة نتيجة الارتفاع الحادّ لأسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية، والذي تغذى بارتفاع أسعار النفط عام 2008 (145 دولارا للبرميل).
واختلّ التوازن المالي للشركة، التي كانت تورّد إلى جانب ديوان التجارة جزءا من حاجيات البلاد للسكر، بسبب ارتفاع أسعار السكر في السوق العالمية مقابل تدني أسعار مبيعاتها بالسوق المحلية، باعتبار أن أسعار السكر مسعرة، وهي الأقل ثمنا بالمنطقة.
كما ساهمت ضريبة الديوانة المفروضة على توريد السكر (15 بالمائة) في ارتفاع تكاليف واردات الشركة التونسية للسكر، مقابل ضعف عائداتها من المبيعات.
وكان إلغاء الدعم الحكومي لمادة السكر بمثابة الضربة القاضية التي قسمت ظهر الشركة، فقد أصبحت الشركة التونسية للسكر تدعم من "جيبها" السكر و لا تتلقى أي تعويضات من الدولة.
ويؤكد المدير التجاري للشركة التونسية للسكر مراد بن قمرة للمصدر إن مادة السكر "ليست مدعمة" كما روّج إلى ذلك بعض المسؤولين الحكوميين في عهد الرئيس المخلوع.
وأفاد أنّ الدولة تخلت عن دعم السكر أواخر التسعينات نتيجة السياسة التي انتهجتها للحدّ من تدخل صندوق الدعم، موضحا أنّ الدولة لم تكن تعوّض الشركة الخسارة التي تتكبدها عند بيعها السكر بأسعار مخفضة.
ويقول بن قمرة "السكر لم يكن مدعما سوى من الخسائر التي تتكبدها الشركة التونسية للسكر وديوان التجارة"، مشيرا إلى أن الدولة لم تعوض لهما، عند الخسارة، الفارق بين سعر التوريد وسعر البيع في السوق المحلية.
وتعاقبت السنوات على هذا النحو حتى أصبحت الشركة التونسية منهكة وأصبحت مكتفية بالدور "المقزم"، الذي أجبرت على خوضه وهو "المناولة" وتكرير السكر الخام المورد لفائدة ديوان التجارة.
لكن "المصيبة" حسب المدير التجاري للشركة التونسية للسكر تكمن في أنّ سعر تكرير السكر الذي تنتفع به الشركة، وهو 90 مليما للكلغ الواحد، "لا يغطي 60 بالمائة من تكاليف التكرير".
ويؤكد بن قمرة أنّ الشركة أصبحت تتكبد خسائر نتيجة تكرير السكر بسعر متدن للغاية، قائلا للمصدر "لقد طلبنا عديد المرات بعد الثورة من وزارتي التجارة والصناعة مراجعة سعر تكرير السكر دون جدوى".
وأفاد هذا المصدر أنّ سعر تكرير السكر المناسب للشركة التونسية للسكر لا يجب أن يقل عن 162 مليما، حتى لا يصبح نشاطها التكريري عبئا ثقيلا آخر على كاهلها.
وإلى حدّ الآن لم تحرّك الحكومة المؤقتة ساكنا للبحث جديا في الأزمة التي تمرّ بها الشركة التونسية للسكر، التي أصبحت عاجزة حتى عن سداد أجور أعوانها، البالغ عددهم 500 شخص.
كما أصبحت الشركة عاجزة على سداد ديونها المترواحة بين مليون ومليوني دينار للشركة الوطنية لتوزيع المحروقات، وهو ما قد يربك نشاطها لأنها تعتمد على الفيول الثقيل لتكرير السكر الخام.
وحتى مساعي المدير التجاري للشركة التونسية للسكر لدى الحكومة المؤقتة لتمكينها من دعم مالي لتوريد كميات من السكر الخام وتكريره ثمّ تصديره إلى ليبيا، في هذا الظرف، لم تنجح.
إذ يبدو أنّ هذه الفكرة الناجحة قد سحبت من الشركة التونسية للسكر لتطبق من قبل الديوان التونسي للتجارة، الذي أصبح يورد السكر ليعيد تصديره إلى ليبيا.
وفي السياق، يقول بن قمرة "ديوان التجارة تجاوز صلاحياته لأن دوره يكمن في توريد المواد الاستهلاكية والأولية خصيصا إلى السوق المحلية، وليس من مشمولاته القيام بعمليات تصدير".
لقد كان جزءا من تاريخ الشركة التونسية للسكر مليئا بالأسى بسبب تراكم الخسائر والديون المثقلة على كاهلها بسبب سوء إدارة قطاع السكر في تونس.
هذا دون نسيان الأطماع التي كانت متجهة إلى السيطرة على قطاع السكر في تونس من قبل بلحسن الطرابلسي، الذي أنشأ مصنعا للسكر ببنزرت، باعتبار أن السكر مادة حيوية.
ويعتقد بعض المراقبين أنّ الشركة كانت هدفا لبلحسن الطرابلسي ولذلك تمّ تشديد الخناق عليها لإفلاسها ودفع الحكومة لخوصصتها بأبخس الأثمان وثمّ يقع الترفيع في أسعار السكر حتى يجني الطرابلسية الأرباح الطائلة.
لكن السؤال المطروح الآن، هو مالداعي لإبقاء الشركة التونسية للسكر في كل هذا الغبن، بعد الثورة؟
|
خ ب ب |