قدم الخبير الامني مازن الشريف في تعليق كتبه على صفحته الرسمية على الفيسبوك قراءته للهجوم الارهابي الذي استهدف مقر صحيفة شارلي ابدو الفرنسية في باريس والذي أسفر عن مقتل 12 شخصا وجرح آخرين وفي ما يلي نصه:
“ما حدث اليوم في فرنسا فاجعة بحق لبلد الحريات وفلسفة التنوير، وهو صدمة عبّر عنها هولاند صراحة، لأنه هجوم في قلب باريس وعلى صحيفة فرنسية وفي شارع من الشوارع الرئيسية مما مثل خيبة كبيرة للمخابرات الفرنسية وذهولا فاجعا لدى الشعب الفرنسي. ونحن إذ ندين بشدة هذا الهجوم، وإذ يحزننا أن ينطق الارهابيون القتلة بأنهم يدافعون عن النبي محمد وهو براء منهم، فليس بالقتل والارهاب ندافع عن نبي الرحمة، بل إن ذلك سيشكّل ردة فعل شبيهة بتلك التي جدّت في الولايات المتحدة في أعقاب هجوم 11 سبتمبر. وسيشهد اليمين المتطرف في فرنسا وفي أوروبا زخما وقوة ونجاحات سياسية وردات فعل قاسية وعنصرية ضد عموم المسلمين. كل هذا سيزيد الارهاب أيضا طاقة وانتشارا.
لكن لابد من فهم بعض الأمور التي أوصلت لمثل هذا العمل الإرهابي، فقد انخدعت الدولة الفرنسية وحملها ساركوزي خلف بعض عربان النفط الذين أداروا مع حلفائهم مشروع تخريب ليبيا وسوريا، والسلاح الفرنسي الذي تم منحه لتلك الجماعات المسلحة كان غذاء لوحش داعش، وكان ذلك لعبا بالنار غير محمود العواقب، وسوء تقدير كبير. إن المساهمة في ضرب الأمن القومي السوري هو ضرب للأمن القومي لفرنسا وأوروبا والولايات المتحدة، وبقاء الموقف الرسمي الفرنسي على تعنّته، وانسياقه الواهم خلف خونة المعارضة السورية، كل ذلك كان دافعا عميقا لما حدث.
أما الدور الاستخبارتي الداعم لتلك المجموعات، وترك وضيع صهيوني مثل برنارد ليفي يمرح ويخرّب وينظّر لدمار الدول العربية وحرائق الربيع العبري، وعدم التفطن إلى أن ذلك لن يكون إلا خراب على كل الدول، وأن المنظومة التواصلية المتطورة لدى الإرهابيين، مع الأعداد الكبيرة من الشباب الأروربي أو المسلم المقيم بأوروبا التي انضمت إلى تنظيم داعش ميدانيا صارت تشكل خطرا عاجلا وماحقا، إضافة للمتأثرين بذلك والناشطين في خلايا نائمة عبر البعد الافتراضي في شتى عواصم العالم المتحضر، كل هذا من الأسباب المباشرة لما حدث اليوم.
جانب آخر، وهو أن بعض العابثين مدوا أيديهم لضرب الإسلام والسخرية من نبي الإسلام بل بلغ الأمر لزواج مثليين وصلاتهم في مسجد خلف إمام من سفلة المندسين في هذا الدين، بل وبث حوارات معهم في قنوات تلفزية فرنسية منها قناة تنطق باللغة العربية في استهانة بالوازع الديني لدى المسلمين. هذا أمر كان لابد من الصرامة معه فهو ليس من الحرية في شيء، فلمن شاء من المثليين في الغرب أن يتزوج وان يعبث كما أراد ذلك شأنه وشانهم وتلك فلسلفة غربية في الحرية وإن كانت حصاد نتائجها فادحا الان في نسب الانتحار ونسبة النمو العقيمة والتي تهدد شعوبا كاملة بالاقراض بعد قرن واحد وفق الاحصائيات، ولكنه أمر يعنيهم، أما غير المسموح به فهو إقحام الاسلام في مثل هذه الترهات الحقيرة. وهي لعبة يتورط فيها الكثيرون حتى في تونس عبر ما أسميته بالارهاب الاخلاقي والاصرار على التعهير الذي يخلق التكفير ويبرر للتفجير.
بقي أن أشير إلى أن عدم المسارعة في تصحيح الوضع في ليبيا وسوريا، والتعاون على هدم مشروع الربيع العبري فوق رؤوس صانعيه، ومحاسبة من دعمهم بقوة القانون، وعدم الانسياق وراء اليمين المتطرف لأن عموم المسلمين براء من الارهاب والارهابيين بل هم أهل سلم ورحمة، ودعم التصوف النير في العالم الاسلامي وعموم أوروبا وبقية الدول الغربية والعالم لانه ترياق للتطرف وعلاج للتكفير وتجفيف منبع الارهاب. والوقوف بحزم أمام كل من يرمي عداءه المستفز على المسلمين طورا بفلم مسيء او رسوم مهينة تحاول المس من نبي الاسلام، أو عبر افعال اخرى ليست من الحرية بل هي تطاول لا يرضونه في نبي يتبعونه أو قديس يوقرونه. والوعي أن وجود المسلمين وانتشار الاسلام بشكل كبير في دولهم واقع، وان الحل ليس في استفزازات الملاحدة والصهاينة، ولا في عنصرية اليمين المتطرف، بل في منهج تعاملي فيه احترام وحوار وثقة. وإن خطر الفكر الوهابي الذي يستغل مناخ الحريات وحقوق الانسان ويتخفى في الاثواب الدعوية والخيرية ويستعمر عددا كبيرا من المساجد ومنابر الاعلام يبث فيها سمومه مستغلا الفراغ الروحي الذي يعيشه عدد كبير جدا من الشباب في تلك المناطق وحالة العبث الوجودي لما بعد العولمة وغياب المعنى، كل ذلك لن يجر إلا الخراب والارهاب، ولابد من قطع أواصر تلك السرطانات وفتح المجال امام العلماء المستنيرين والدعاة المستبصرين الذين يتبعون مناهج الوسطية والاعتدال.
إن ما اكتبه قد يزهد فيه الكثيرون، وقد يراه البعض مجرد هذر لغوي وكلام بلا طائل، لكني أقول كما قلت دائما: من استهان بالعلم ولم يمنح أهله حقهم من الاستماع والانتفاع والدعم، فسوف يخسر خسرانا مبينا، وبيننا قادم الايام كما كان بيننا ماضيها.
مرة أخرى نجدد تعاطفنا مع الشعب الفرنسي ورفضنا القاطع للارهاب. ونجدد الدعوة للقائمين على أمر الدولة التونسية لمناقشتنا والاستماع لمقترحاتنا وتحليلاتنا ورؤانا في هذا الصدد، وليعلم أن على العالم أن يزهد في المناصب ولا يطلبها، وعلى الحاكم أن لا يزهد في العالم وان يطلبه. وسلام على من استمع القول فاتبع احسنه.”
مقالات ذات علاقة:
مجزرة شارلي ابدو..ارتفاع حصيلة القتلى الى 12 و5 جرحى حالتهم خطيرة
اليوم حداد وطني في فرنسا وتنكيس للأعلام لمدة 3 أيام بعد مجرزة شارلي ابدو