تحصلت المصدر على كامل التقرير السنوي للبنك المركزي التونسي لسنة 2010 ومنتصف سنة 2011 وقد كان محافظ البنك المركزي التونسي مصطفى كمال النابلي عرضه على رئيس الجمهورية المؤقت السيد فؤاد المبزع في موفى الأسبوع الماضي
أهم ما جاء في التقرير السنوي للبنك المركزي التونسي لسنة 2010 ومنتصف 2011
تحصلت المصدر على كامل التقرير السنوي للبنك المركزي التونسي لسنة 2010 ومنتصف سنة 2011 وقد كان محافظ البنك المركزي التونسي مصطفى كمال النابلي عرضه على رئيس الجمهورية المؤقت السيد فؤاد المبزع في موفى الأسبوع الماضي.
لقد أظهر التقرير تطور الاقتصاد التونسي خلال سنة 2010 في ظل محيط دولي اتسم بانتعاش
الاقتصاد العالمي تبعا خاصة لاسترجاع الحيوية لدى البلدان الصاعدة، فيما بقي نسق النشاط
الاقتصادي ضعيفا نسبيا في أهم البلدان المتقدمة. وتضرر على وجه الخصوص نسق الانتعاشة
في بلدان الاتحاد الأوروبي، الشريك الاقتصادي الأول لتونس، بسبب إجراءات التقشف المالي
التي فرضتها أزمة الديون السيادية في بعض هذه البلدان. بيد أن نمو الاقتصاد العالمي بلغ نسبة
. ٪5,1 وهو مستوى مماثل لما تم تحقيقه قبل الأزمة الاقتصادية والمالية لسنتي 2008 و 2009
وفي هذا الإطار، سجل الاقتصاد الوطني نسبة نمو انحصرت في مستوى 3٪، بالعلاقة
خاصة مع تراجع قطاع الفلاحة والصيد البحري بقرابة 9٪ بالأسعار القارة، فيما لم تزدد
القيمة المضافة لقطاعي الصناعة والخدمات إلا بشكل معتدل. ونتيجة لذلك، استقرت نسبة
البطالة في حدود 13 ٪ وهو معدل يحجب نسبا أعلى بكثير لدى خريجي التعليم العالي من
الشباب، لاسيما في المناطق الداخلية للبلاد.
وبين التقرير أن النسق الضعيف للنمو الاقتصادي وارتفاع الأسعار العالمية للمواد
الأساسية، وخاصة أسعار المواد الغذائية والطاقة،أفضى إلى تدهور التوازنات الاقتصادية الكلية.
وفعلا، سجل العجز الجاري للمدفوعات الخارجية ارتفاعا حيث بلغ 4,8 ٪ من إجمالي الناتج
المحلي مقابل 2,4 ٪ في المعدل خلال الخمس سنوات الأخيرة، وذلك نتيجة توسع العجز
التجاري وتباطؤ صادرات الخدمات. وأثرت هذه التطورات بمعية تراجع الاستثمارات
الأجنبية المباشرة سلبا على ميزان المدفوعات، وبالتالي على الاحتياطيات من العملة الأجنبية
التي انخفضت إلى ما يعادل 147 يوما من التوريد. ويعكس ذلك هشاشة القطاع الخارجي
أمام عدم استقرار أسعار المواد الأساسية، من جهة، وتقلب الأسواق المالية الدولية، من جهة
أخرى، ويطرح بالتالي إشكالية ديمومة التوازن الخارجي لتونس على المدى المتوسط. ومن
ناحيتها، بلغت نسبة التضخم 4,4 ٪ وهو مستوى يفوق معدل الخمس سنوات السابقة.
وبالمقابل، بلغ عجز الميزانية 1,3 ٪ من إجمالي الناتج المحلي وهو ما يعكس تدعم الموارد
الذاتية للدولة الذي تزامن مع تقلص ملحوظ لنسق النفقات، وخاصة بعنوان التجهيزات
والقروض الصافية.
وتعكس هذه التطورات الهشاشة الهيكلية للاقتصاد ولاسيما نقص الاستثمار الخاص
ونسبة الاندماج الضعيفة للاقتصاد، سواء على مستوى قطاعات النشاط أو على مستوى
مختلف مناطق البلاد، علاوة عن ركود الحصص من السوق عند التصدير، وهو ما يبرز
بوضوح محدودية حيوية النمو وقدرته على الاستجابة لمتطلبات تقليص البطالة، وخاصة
بالنسبة لأصحاب الشهائد من الشباب.
وأكد نفس التقرير أن ثورة 14 جانفي 2011 المستوحاة من القيم الكونية للكرامة والحرية والديمقراطية
والعدالة الاجتماعية تفتح أمام البلاد آفاقا رحبة للتنمية الاقتصادية والرقي الاجتماعي على
المدى المتوسط، وذلك عبر تحرير المبادرات وتطهير مناخ الأعمال وردّ الاعتبار لقيم الكفاءة
والمساواة. غير أنه على المدى القصير لا يزال المحيط الاقتصادي والاجتماعي متوترا، جراء
هبوط نشاط الإنتاج والتصدير خلال الأشهر الأولى من سنة 2011 ، حيث شهد ظروفا
صعبة بسبب الاضطرابات الأمنية وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي وخاصة في بعض
القطاعات الجوهرية مثل الطاقة والمناجم والسياحة، وذلك علاوة عن انعكاسات الوضع
في ليبيا، الشريك الاقتصادي الأول لبلادنا في المنطقة.
وإزاء هذه التطورات، سهرت السلطة النقدية منذ بداية السنة الحالية على تأمين
تواصل الخدمات المالية وسيرها العادي وعلى ضمان استمرار أنظمة الدفع سواء بالدينار
أو بالعملات الأجنبية، عبر توفير السيولة الضرورية للبنوك. كما قامت بمواكبة البرنامج
الاقتصادي والاجتماعي العاجل الذي وضعته الدولة، من خلال اعتماد سياسة نقدية ملائمة
تيسّر مساعدة المؤسسات والحفاظ على جهاز الإنتاج وبالتالي على مواطن الشغل. وفي هذا
الإطار، تعززت السيولة لدى البنوك وتدعمت بذلك قدرﺗﻬا على إسناد التمويلات اللازمة
عن طريق التخفيض في نسبة الاحتياطي الإجباري من 12,5 ٪ إلى 2٪. كما تم التخفيف
في الأعباء المالية للمؤسسات من خلال التخفيض في نسبة الفائدة الرئيسية للبنك المركزي
التونسي من 4,5 ٪ إلى 3,5 ٪. ونتيجة لذلك، ازدادت المساعدات للاقتصاد بأكثر من 10 ٪ منذ
بداية السنة الحالية.
وتابع تقرير البنك المركزي تحليله للوضع بالبلاد بأن الفترة الحالية من الانتقال السياسي والاقتصادي ببلادنا والناجم عن الثورة تمثل منعرجا تاريخيا حاسما، إذ أن نجاح المسار الديمقراطي الذي يطمح إليه الشعب التونسي ولاسيما الشباب لا يمكن تحقيقه إلا في إطار وضعية اقتصادية واجتماعية ملائمة، مرتبطة في حدّ ذاﺗﻬا برؤية جيدة للمشهد السياسي.
ويكمن الرهان الأبرز في تدارك ما سجله النشاط الاقتصادي من تقهقر في أفضل الآجال ثم الشروع في تنفيذ برنامج اقتصادي يتماشى وطموحات البلاد، من شأنه أن يرفع من أداء الاقتصاد ويضمن نموا قويا وشاملا من خلال تثمين الخاصيات التي تزخر ﺑﻬا بلادنا، وخاصة جودة مواردها البشرية وموقعها الاستراتيجي، وإرساء منظومة حوكمة ديمقراطية. وتشمل التحديات الكبرى التي يتعين رفعها لهذا الغرض التأقلم مع متغيرات المحيط الاقتصادي العالمي وإعادة رسم هيكلة النشاط الاقتصادي الوطني على المستويين القطاعي والجهوي.
إن استقرار الوضعية الاقتصادية لن يتحقق إلا بصفة تدريجية، بالنظر إلى المتغيرات
الطارئة للمحيط الدولي والإقليمي وآجال التأقلم مع فترة الانتقال الديمقراطي وإرساء إطار
مؤسساتي جديد. وتستوجب هذه الفترة استرجاع ثقة المتعاملين الاقتصاديين المحليين منهم
والأجانب وحفز مشاركة القطاع الخاص في استثمارات مهيكلة وبنّاءة ومحدثة لمواطن شغل
مستدامة. ويقتضي ذلك تعزيز تدخل ميزانية الدولة ﺑﻬدف المساعدة على الاستقرار
الاجتماعي، من جهة، ودفع الاستثمارات في البنية الأساسية وفي المشاريع المحددة بدقة، من
جهة أخرى.
وفي هذا السياق، فإن البنك المركزي التونسي من منطلق وعيه بالدور الحاسم للقطاع
المصرفي والمالي في هذه الفترة الحساسة التي ﺗﻬيأ للانتقال نحو إرساء اقتصاد أكثر صلابة
وفاعلية، يؤكد التزامه على العمل بالجدية المطلوبة على إنجاح هذه المهمة مع مراعاة متطلبات
الاستقرار المالي.
وسيعمل على المضي قدما في تعصير سياسته النقدية وتأهيل الجهاز المصرفي
عبر تعزيز موارده المالية وإصلاح حوكمته وتدعيم قدراته في إدارة وتحليل المخاطر، وبالتالي
مرافقة المتعاملين والمؤسسات الاقتصادية بنجاعة في أعمالهم التي من شأﻧﻬا أن تخلق مزيدا من
الثروة ومواطن الشغل، والمساهمة في إنجاح هذه المرحلة الحاسمة في تاريخ تونس.