مخاض عسير ومتعثر يرافق ميلاد أول حكومة مؤقتة بعد انتخابات المجلس التأسيسي.
وعلى الرغم من أن الرؤية بدت واضحة في أغلب الحقائب الوزارية إلا أن تأجيل الإعلان عن التشكيلة النهائية بشكل رسمي من عشية الإثنين إلى وقت لاحق من يوم الثلاثاء قد طرح …
تونس: مخاض عسير لحكومة الـ48 |
مخاض عسير ومتعثر يرافق ميلاد أول حكومة مؤقتة بعد انتخابات المجلس التأسيسي. وعلى الرغم من أن الرؤية بدت واضحة في أغلب الحقائب الوزارية إلا أن تأجيل الإعلان عن التشكيلة النهائية بشكل رسمي من عشية الإثنين إلى وقت لاحق من يوم الثلاثاء قد طرح توقعات جديدة لدى الشارع التونسي خصوصا فيما يتعلق بالتحفظات التي برزت على السطح ضد عدد من الأسماء والتعيينات. ورافق الإعلان عن اللائحة الأولية للتشكيلة الحكومية الجمعة جدلا واسعا، ليس بسبب هيمنة حركة النهضة على أبرز حقائبها وعلى رأسها السيادية فحسب، وإنما أيضا بسبب التضخم القياسي لعدد الحقائب المسندة والتي بلغت بحسب التسريبات الأولية في وسائل الإعلام 51 حقيبة، وهو رقم يذكر بحكومات المحاصصة مثل لبنان والعراق. ومع أن التصريحات التالية لرئيس الحكومة المرتقب حمادي الجبالي أكدت على خفض العدد إلى 48 حقيبة إلا أن الرقم في نظر الكثير من المحللين لا يتسق مع المرحلة المؤقتة للحكومة الجديدة ولا مع الإعتمادات المرصودة لها من ميزانية الدولة لعام 2012، وهو العام الذي اتفق حوله الاقتصاديون بأنه سيكون حاسما للانطلاق في إعادة البناء والتنمية في مختلف جهات البلاد. ووسط دعوات بالتقشف الحكومي وبهدنة اجتماعية وسياسية نادى بها رئيس الدولة المؤقت تضاربت الأنباء حول أجور ومرتبات الوزراء في الوقت الذي اجتاحت فيه مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الأيام الثلاثة الماضية سيول من التعاليق والانتقادات بشأن حجم تلك الأجور التي ستكلف خزينة الدولة أموالا طائلة، هذا فضلا عن أجور نواب المجلس التأسيسي الـ217، وهي أجور لا تختلف في قيمتها ومحصلتها السنوية بنظر المنتقدين عن الفوز بـ"اللوطو" خاصة إذا ما تم التمديد لعمل التأسيسي والحكومة لما بعد السنة. ولكن يبدو أن سياسة المنتصرين في انتخابات المجلس التأسيسي اللذين يشكلون التحالف الثلاثي قد خيروا قبل اتخاذ أي قرار اختبار رجع الصدى لدى الشارع التونسي ما يمكنهم من احتواء جانب كبير من الضغوط الشعبية وهو أسلوب سمح لنواب الأغلبية في وقت سابق من التحكم في تعديل القانون المؤقت للسلط العمومية قبل تمريره على نواب المجلس التأسيسي من أجل المصادقة. وبالمثل قدم حمادي الجبالي تصريحات جديدة قبل الإعلان النهائي عن التشكيلة الحكومية أفاد من خلالها عن الإتجاه نحو تخفيض أجور الوزراء بصفة طوعية. ولئن كان هذا الإجراء سيسمح دون شك بتسجيل نقاط إضافية للتحالف الثلاثي فإنه لن ينهي في المقابل حالات السخط لدى المعارضة وأنصارها بشأن التعيينات الحكومية القائمة بنظرهم على الولاءات والمصاهرة. وجاء تعيين رفيق عبد السلام صهر زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي على رأس وزارة الخارجية لينكأ جراحا لم تندمل بعد لدى جزء هام من الشعب التونسي الذي مازال يتحسس من السطو العائلي للنظام السابق على مقاليد الحكم ومفاصل الدولة والإقتصاد. كما أن وجود أسماء أخرى تحسب على النظام السابق وتعد من بين مهندسي الإنتخابات المزورة داخل المؤسسة الأمنية بوزارة الداخلية زاد من شعور التحفظ تجاه الحكومة الوليدة. ولا تقتصر التحفظات في هذه النقطة بالذات على المعارضة إذ بان التململ أيضا على أطراف من التحالف الثلاثي داخل التكتل والمؤتمر والتي كانت من بين الأسباب المعطلة لإعلان تشكيلة الحكومة في موعدها المقرر الإثنين. ولكن في كل الحالات سيكون من السابق لأوانه الحكم ما إذا كان التململ داخل شريكي التحالف، التكتل والمؤتمر، فضلا عن انتقادات المعارضة سيشكل حقا عنصر ضغط على حركة النهضة، اللاعب المحوري داخل "للترويكا".
|
طارق القيزاني |