تحيّة وبعد، أنت لا تعرفني…أخاطبك باعتباري مواطنة في هذه البلاد، مواطنة لم تتعذّب كما تعذّبت ولم تُسجن البتّة ولم تعرف إلاّ الفرحة والهناء والخير…مواطنة مسلمة تؤمن بقول الله تعالى: “وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ …
من ألفة يوسف.. رسالة مفتوحة إلى حمادي الجبالي |
سيّدي الكريم تحيّة وبعد، أنت لا تعرفني…أخاطبك باعتباري مواطنة في هذه البلاد، مواطنة لم تتعذّب كما تعذّبت ولم تُسجن البتّة ولم تعرف إلاّ الفرحة والهناء والخير…مواطنة مسلمة تؤمن بقول الله تعالى: "وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". سيّدي الكريم مسّك الله تعالى وكثير من رفاقك بضرّ…فتعذّبت لا شكّ في السّجون ولا أعرف، وليس لي بما أنّي لا أعرف أن أحكم على ما اتّهمت به من أعمال الله تعالى وحده يعلم صحّتها من عدمها…والله تعالى وحده يعلم أطرها ودوافعها وسياقها…ما أعرفه اليوم أنّك خرجت من السّجن وأنّك مررت من مرحلة "الضّحيّة" إلى مرحلة المسؤول…ولعلّك تعلم سيّدي الكريم أنّ المؤمن الحقّ لا يجعل من الألم الّذي يمرّ به وسيلة مزايدة ولا استحقاق ولا بطولة…ولا أحد تعذّب أكثر من الأنبياء والرّسل ومع ذلك لم يزايد واحد منهم بنضاله ولم يسع واحد منهم إلى "الانتقام" بشكل واع أو لا واع لما لحقه من ضرّ وأذى…قد تقول لي إنّ البشر العاديّين ليسوا أنبياء، وقد أجيبك بأنّ الإنسان واحد وأنّ كلّ ابن آدم خطّاء، وأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يؤكّد أنّه بشر يمشي في الأسواق ويتميّز عن الآخرين بالوحي…ولا تنس سيّدي أنّ علينا- نحن المسلمين، ولا سيّما من يتبجّحون بإسلامهم- أن نتّخذ الأنبياء لنا قدوة في أخلاقهم وسلوكهم. سيّدي الكريم، لا أعرف إذا كنت في قرارة نفسك راضيا عن أعمالك أمام الله تعالى…بل لا أعرف أصلا إن كان هذا الرّضا من أولويّاتك أو من المسائل الّتي تطرحها على نفسك…وليس من حقّي أن أحكم عليك، لأنّ مسيرتك مختلفة تماما عن مسيرتي…ولأنّ الله تعالى –لحكمة لا يعلمها إلاّه أرادني بالخير (إلى هذه السّاعة) ومسّك بالضّرّ ثمّ بما يبدو خيرا…لا أحكم عليك لأنّي لا أعرف نواياك لكن أستحلفك بالله تعالى (ذاك الّذي نؤمن به أنت وأنا، ربّ محمّد وعيسى وموسى…)…أستحلفك بالله تعالى أن تراجع نفسك لا كحاكم يريد أن يظلّ في الحكم لينفّذ مشروعا مّا ولا كإنسان ذاق الأمرّين ويريد اليوم أن يعوّض ما عاناه بوهم اعتراف ووهم قوّة يعرف كلّ مسلم أنّهما عابران مارّان…إذ كلّ من عليها فان ولا يبقى إلاّ وجه ربّك ذو الجلال والإكرام… أستحلفك بالله كمسلم يجاهر بإسلامه…كيف تفسّر عناقك الحارّ لصهيونيّ قتّل إخواننا في غزّة وسواها؟ هل ستقول لي إنّ هذا من ضرورات المرحلة وأنّه يجوز في السّياسة ما لا يجوز في سواها؟ هل تعتقد أنّ الحصول على أموال الأمريكيين ورضاهم يسمح لك بأن تتاجر بدماء شعب أعزل مضطهد منذ عشرات السّنوات؟ قد تكون مرتاحا لعناقك هذا ولكنّي لا ولن أفهمه…لقصور في فهمي ربّما أو لا شكّ. أستحلفك بالله كمسلم يجاهر بإسلامه…هل أنت مطمئنّ وأنت تعرف أنّ كثيرا ممّن أنت مسؤول عنهم يعانون البطالة والتّهميش والكوارث الطّبيعيّة؟ هل أنت مطمئنّ إذ ترى "منظوريك" يبكون لفقدان شويهاتهم في فيضانات دون أيّ سند أو معونة؟ تأتينا ضاحكا يا سيّدي على شاشات التّلفزة وشعبك منه من يتألّم ولا يقدر على اقتناء قوت يومه لغلاء الأسعار، فكيف يمكنك أن تضحك أيّها المسلم المسؤول وكثير من شعبك يبكي؟ أستحلفك بالله كمسلم يجاهر بإسلامه…هل يرضيك ما يعمد إليه أتباع حزبك، أو من يدّعون أنّهم أتباع حزبك، من قذف للنّاس ولا سيّما للنّساء بلا بيّنة ولا دليل؟ هل ترضى بمثل هذه الكبيرة التي يقترفها ناس يتبعونك فلا نسمع منك ولا كلمة استنكار بل امتعاض بل قلق من هذا السّيل من الشّتائم؟ هل ترضى بتكفير النّاس يا سيّدي؟ لماذا لم أسمع منك أيّها المسؤول المسلم كلمة تدعو بها "مريديك" إلى أن يكفّوا عن هذا الصّنيع؟ لماذا لم أسمعك تذكّرهم أنّ من رمى مسلما بكفر فكأنّه قتله؟ سيّدي الكريم…هل تسمع بعمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه)؟ إنّه كان أيضا مسلما يجاهر بإسلامه…وقد قال لزوجته مفسّرا أرقه وبكاءه ذات ليلة: "مالي؟ توليت أمر أمّة محمد، وفيهم الضعيف المجهد، والفقير المنكوب، والمسكين الجائع، والأرملة، ثم لا أبكي، سوف يسألني الله يوم القيامة عنهم جميعاً، فكيف أنام؟"…فهل تنام مرتاحا يا سيّدي؟ سيّدي، كان يمكن أن أخاطبك كرئيس حكومة في دولة مدنيّة فيها حقوق وواجبات وقوانين…ولكن بما أنّك وأتباعك خلطت الدّين بالسّياسة والسّياسة بالدّين…وبما أنّي تعلّمت أن أخاطب النّاس وفق ما يدّعون أنّهم متموضعون فيه فقد خاطبتك… سيّدي الكريم، ارم خطابي هذا في سلّة المهملات…فليس الهدف منه تغييرك لأنّي أعرف أنّ ما يحرّك دوافعنا هو لاوعينا…وأعرف أكثر أنّ تجاوز مرحلة الضّحيّة لمن عانى، ولم يعالج نفسيّا، يكاد يكون مستحيلا…ولكن الهدف من خطابي هذا أن أقوم بواجبي في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر…أليس أنّكم تؤمنون بهذا المفهوم؟؟؟ وأليس أنّ أبا بكر رضي الله عنه قد يكون قال: وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوّموني… مودّتي الخالصة من مواطنة بسيطة ترجو الأفضل لهذه البلاد.
|
*نشرت هذه الرسالة على مدونة الأستاذة ألفة يوسف وعلى صفحتها في الفايسبوك |