الحالة المالية لأنظمة التقاعد..عجز يتفاقم يوما بعد يوم

يقوم نظام الضمان الاجتماعي في تونس على الطريقة التوزيعية اي على التضامن بين مختلف اصناف وأجيال الأجراء والمضمونين الاجتماعيين عموما وعلى هذا الأساس فإن الخدمات التي تسديها الصناديق وتوازناتها المالية وديمومتها شديدة الحساسية لكل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية…



الحالة المالية لأنظمة التقاعد..عجز يتفاقم يوما بعد يوم

 

يقوم نظام الضمان الاجتماعي في تونس على الطريقة التوزيعية اي على التضامن بين مختلف اصناف وأجيال الأجراء والمضمونين الاجتماعيين عموما وعلى هذا الأساس فإن الخدمات التي تسديها الصناديق وتوازناتها المالية وديمومتها شديدة الحساسية لكل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية.

 

وفى هذا الإطار فإن أنظمة التقاعد تتاثر بشدة بمستوى التشغيل وأنماطه وبالإجراءات المصاحبة في تسريح العمال وخاصة منها المتعلقة بالتقاعد المبكر أو قبل السن القانونية وحقيقة التصاريح بالأجور والمداخيل والعلاقة بين عدد من المضمونين المباشرين وعدد المنتفعين بجرايات وهيكلة الهرم السكاني في البلاد ومؤمل الحياة.

 

وفي دراسة أعدها قسم التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية بالاتحاد العام التونسي للشغل تطرقت إلى الوضعية المالية لأنظمة التقاعد من سنة 2002 الى سنة 2009 أبرزت مدى الخطورة التي أصبحت تعيشها انظمة التقاعد وأشارت الى التوقعات المستقبلية المتعلقة بها في القطاعين العمومي والخاص.

 

في القطاع العمومي

 

أصبح العجز سمة بارزة ومزمنة لأنظمة التقاعد في القطاع العمومي وخاصة منها النظام العام ما عدا بعض السنوات التى أفرزت ناتجا ايجابيا نتيجة الزيادة في نسب الاشتراك بعنوان التقاعد.

 

وبينت الدراسة ان هذه التوازنات ما فتئت تسجل عجزا مر من – 20 فاصل 4 مليون دينار سنة 2002 إلى -32 فاصل 2 مليون دينار سنة 2009 ما عدا سنة 2004 التى سجلت فائضا بـ7 فاصل 6 مليون دينار بفعل الزيادة في المساهمات بعنوان التقاعد بـ2 فاصل 5 بالمائة سنة 2002.

 

كما ان تراكم العجز خلال هذه السنوات تسبب في انهاك الاحتياطات المالية، وهي فوائض النظام العام للتقاعد بعد صرف الجرايات وطرح نفقات التصرف، والتي نزلت إلى مبلغ 246 مليون دينار في 31 ديسمبر 2007 وهو مبلغ لا يتعدى تكاليف شهرين من الجرايات .مع العلم ان مقياس مكتب العمل الدولي ينص على توفر 36 شهرا من الجرايات في شكل احتياطات فنية لكل نظام تقاعد.

 

وتشير نتائج إحدى الدراسات التى أنجزها مركز الدراسات والبحوث حول الضمان الاجتماعي ان الضغوطات المالية المستقبلية على النظام ستكون شديدة وسوف تتسبب في تدهور العلاقة الديمغرافية، عدد النشيطين لتمويل جراية من 3.1 نشيط مقابل منتفع جراية سنة2008 الى 1.4 نشيط سنة 2030 .

 

ونتيجة لذلك سوف يبلغ العجز في النظام العام للتقاعد بالقطاع العمومي 4162 مليون دينار في نهاية فترة الاسقاط 2030 وهذا طبعا حسب التشريعات الثابتة اي بدون اي تغيير لما هو موجود حاليا.

 

في القطاع الخاص

 

تعيش أنظمة التقاعد في القطاع الخاص وضعا ماليا مشابها لكنه يختلف من حيث أبعاده وخطورته على منظومة الضمان الاجتماعي ككل ذلك ان الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يتصرف في عشرة أنظمة تضم غالبية العاملين في القطاع الخاص في تونس ويمثل نظام الاجراء في القطاع غير الفلاحي اهم هذه الانظمة اذ تقدر نسبة المنخرطين أكثر من 70 بالمائة بالصندوق.

 

وحسب المعطيات المتوفرة ما فتىء نظام التقاعد للأجراء غير الفلاحيين يسجل منذ سنة 2004 عجزا تفاقم ليبلغ 112.6 مليون دينار سنة 2007 مقابل 23.4 مليون دينار سنة 2004.

 

وفي تحليل للوضعية المالية لهذا النظام من سنة 2002 الى سنة 2009 تبين ان نسق العجز خطير جدا اذ مرت النتائج المالية وفي ظرف ثماني سنوات من فائض ايجابي بـ37 فاصل 2 مليون دينار سنة 2002 الى عجز بـ172 فاصل 1 مليون دينار سنة 2009 وما يفسر مواصلة هذا النظام الايفاء بالتزاماته في صرف الجرايات طيلة هذه السنوات هو الاحتياطات المالية التي بلغت 1871 فاصل 5 مليون دينار سنة 2007.

 

لكن هذه الاحتياطات المالية مهددة بدورها بالانهيار ففي دراسة أعدها الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 2005 تشير الى تآكل هذه الاحتياطات في أفق سنة2014 باعتبار ان غالبية الأنظمة التي يتصرف فيها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تشكو عجزا مزمنا وهيكليا جعلها تعيش على كاهل نظام الأجراء غير الفلاحين من حيث امتصاص عجزها ومواصلة ايفائها بالتزاماتها تجاه منخرطيها.

 

وان انهيار نظام الأجراء غير الفلاحيين سوف يؤدي حتما الى انهيار بقية الانظمة التي يتصرف فيها الصندوق.

 

الإصلاح

 

يدعو الاتحاد العام التونسي للشغل إلى حوار شامل وعميق حول واقع ومستقبل الضمان الاجتماعي في تونس لضمان ديمومة الأنظمة وتوازناتها المالية وايفاءها بالتزاماتها تجاه منخرطيها.

 

ويعتقد ان الحلول التي تم اتخاذها والمتمثلة بالزيادة في نسب المساهمات والترفيع في سن التقاعد هي اجراءات ارتجالية متسرعة على حساب الاجراء بالتأثير على قدرتهم الشرائية وأيضا المؤسسات بالتاثير على قدرتها التنافسية والتشغيلية مؤكدا ان الترفيع في سن التقاعد لا يمكن في أحسن الحالات الا ان يحقق توازنات ظرفية لا تتعدى 4 او 5 سنوات.

 

ويؤكد الاتحاد على ضرورة ايجاد حلول جذرية بعيدة المدى وذلك عبر البحث عن الأسباب العامة المتعلقة بالاختيارات الاقتصادية والاجتماعية التى اثرت سلبا على موارد الصناديق وتوازناتها المالية وتعميق النظر في واقع وآفاق التشغيل في البلاد بما يقطاع أما النماط الهجينة والهشة والتي تضر بشكل كبير بموارد الصناديق الى جانب تنويع مصادر التمويل لأنظمة الضمان الاجتماعي من خلال النظام الضريبي المباشر وغير المباشر والفصل الواضح بين الضمان الاجتماعي والتضامن الاجتماعي.

 

كما يدعو الى الإسراع في احداث صندوق تأمين على فقدان مواطن شغل والتصدي لاستفحال ظاهرة التشغيل الهش والسمسرة باليد العاملة.

 

مريم التايب  

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.