في الرّد على غزوة الوهّابيّين: نصف الكأس ليس فارغا!

بعد أن استقرّ الوضع في تونس وعُدنا أو كدنا إلى الحال الّذي ألفناه من السّلم الاجتماعيّ استغلّ مجموعة من “المقاولين” في الدّين الإسلاميّ هذا الهدوء النّسبي …



في الرّد على غزوة الوهّابيّين: نصف الكأس ليس فارغا!

 

بعد أن استقرّ الوضع في تونس وعُدنا أو كدنا إلى الحال الّذي ألفناه من السّلم الاجتماعيّ استغلّ مجموعة من "المقاولين" في الدّين الإسلاميّ هذا الهدوء النّسبي وتوافدُوا على بلادنا عبر عناوين مختلفة جمعياتيّة ودينيّة ودعويّة. آخر هذه الزّيارات تلك الّتي قام بها الدّاعية المصري وجدي غنيم الّذي تمّ ترحيله من أكثر من دولة بسبب تطرّفه ومجاهرته بالعنف خطابا وأسلوبا لـ"نصرة الإسلام" على حدّ تعبيره.

لقد عُنِي المتابعون وعموم المواطنين بخطب هذا الزّائر وما تضمّنته من تحريض على الفتنة وشحذٍ للاحتراب بين المتمايزين في الأفكار والرّؤى وابتداعٍ في الدّين منه القول بختان البنات المجرَّم كونيّا والمستهجَن والمستغرَب وطنيّا، وذُهلوا من تجرّؤه وهو الضّيف، على مألوفنا من العادات والقوانين والرّصيد الرّمزيّ الوطنيّ كنشيد السّلام الوطنيّ.

غير أنّ ما شدَّ انتباهي ليس تطاول هذا الضّيف على مضيفيه بما يتنافى وسماحةَ الإسلام كما عرفناه وأحببناه واعتنقناه، بل ردّة فعل المجتمع التّونسيّ بمختلف مكوّناته.


لقد انتفض المجتمع المدنيّ في وجه فكر الفتنة محتجّا ومنتقدا، وهبّ أهل القانون رجالا ونساء ليُوقفُوا التّطاول عند حدّه وليدفعوا بالمسؤولين لتحمّل واجبهم في حماية السّلم الاجتماعيّ والتّصدّي لمن يريدون نفث سموم خرافات الأزمنة السّحيقة في بلادنا، وشحَذ الإعلاميّون أقلامهم ليكشِفوا تهافت خطاب المرضى بالانفصام الزّمانيّ ممّن يعيشون في عصرنا بمألوف ناس القرون الوسطى ذلك الزّمان الّذي ولَّى واندثَر فأبَان جنودُ صاحبة الجلالة ركَاكة ما جاء في خطب المدعو وجدي غنيم وضحالة المخزون الّذي يحتجّ به.

وتندّر الإعلام البديل في مختلف المواقع الاجتماعيّة بهذا الّذي أوقَع به حظّه العاثر في أرضٍ رفَضت وترفض وسترفض كلَّ مستبلِهٍ لأهلها وكلّ عابثٍ برصيدها الفكريّ والرّمزيّ والوطنيّ أي ما به قِوام هويّتها.

وشدّ انتباهي إلى ذلك فَزَعُ أهل الفكر والدّين يردُّون بالعقل خرافات وخزعبلات هذا الزّائر الثّقيل، ويذكِّرون بأنّ تونس فُتِحت منذ قرون وتضَلّع رجالها ونساؤها بعلوم الفقه والدّين حتّى باتت محجّةً تُنْهل من "زيتونتها" العلوم الدّينيّة وغيرها من العلوم والمعارف.

رأيتُ علماء تونس ينتفِضون مدجَّجين بعقل ابن خلدون وبفصاحة ابن منظور وبرقّة أبي القاسم الشّابي وبحصافة الطّاهر بن عاشور وبتاريخ من الفكر والحضارة مرَق حتّى أرسى بأرض الكنانة القاهرة، فكيف بهم يردّون علينا بضاعتنا مغشوشة؟ ألا بئس ما يفعلون.

في المهديّة شاهدت امرأة تونسيّة الملامح والهيئة واللّهجة ترُدّ على الغازين بخطاب عفويّ كشَفت به جمالَ أصالتنا واعتدال حداثتنا فأبطلت ببساطة تونسيّة كلّ خزعبلات المتفقهين..فشَفت غليلي.

بعد أن استقرّ الحدث الثّوريّ بَدا لنا وكأنّ نصف الكأس فارغا بما أدخَل في أنفسنا الكثير من الشّكّ والرّيبة حول مستقبل تونس الـ3000 سنة من الحضارة، أمّا الآن وأنا أتابع كيف يقاوم جسمُنا المجتمعيّ وباءَ الدّجل والتّخريف ببسالةِ المتحصِّن ضدّ هذه الأمراض وما جانسها فقد بِتُّ متيقّنا أنّ نصف الكأس ليس فارغا.

صالح رطيبي/إعلامي من تونس 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.