الانشقاقات والتصدعات الحزبية في تونس: النهضة الرابح الكبير

تشهد الساحة السياسية في تونس وخاصة حياة الأحزاب و لاسيما منها الأحزاب الكبيرة الناشطة في المعارضة في الفترة الأخيرة موجة من التصدعات والانشقاقات خلفت فيها أزمة حقيقة قد تنعكس على مصداقيتها ونضالها وكذلك التأثير المرتقب على مسارها في المستقبل القريب المرتبط بالانتخابات القادمة…



الانشقاقات والتصدعات الحزبية في تونس: النهضة الرابح الكبير

 

تشهد الساحة السياسية في تونس  وخاصة حياة الأحزاب و لاسيما منها الأحزاب الكبيرة الناشطة في المعارضة في الفترة الأخيرة موجة من التصدعات والانشقاقات خلفت فيها أزمة حقيقة قد تنعكس على مصداقيتها ونضالها وكذلك التأثير المرتقب على مسارها في المستقبل القريب المرتبط بالانتخابات القادمة.

ولقد اتسمت هذه التصدعات بحصول استقالات هامة في أحزاب المعارضة سواء من القيادات أو من القواعد، ولعلّ أهم تصدع اعتبره المحللون السياسيون والملاحظون ذلك الذي حصل في الحزب الجمهوري لماّ أعلن المدير التنفيذي للحزب ياسين إبراهيم استقالته وتبعه إثر ذلك العديد من الاستقالات بلغ حسب المراقبين أكثر من 80 استقالة في وسط القواعد والهياكل للحزب علاوة على استقالة النائبة سميرة مرعي العضوة في المجلس الوطني التأسيسي.

استقالة أخرى مدوية تجسمت في استقالة الأمين العام لحركة الشعب محمد البراهمي وإعلانه عن تكوين حزب جديد ليتواصل مزيف الاستقالات ليشمل هذه المرة عضو المكتب السياسي لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات التوهامي العبدولي وإعلانه عن تكوين حزب جديد.

وفي الواقع إن موجة التصدعات التي تعرفها لأحزاب في تونس ليست بالجديدة بل لها جذور تعود إلى أكثر من سنة لما تصدع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ليتفتّت ويتحول إلى حزيبات تمثلت في حركة وفاء ثم حزب التيار الديمقراطي برئاسة محمد عبو.

إن المتأمل في التحولات الجذرية التي تعرفها جل الأحزاب في تونس يلاحظ بالتأكيد الحركة العكسية التي بدأت تشهدها فبعد موجة التكتلات والانصهار وعمليات الدمج التي حصلت، مباشرة إثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 وفوز حركة النهضة بالأغلبية، بين عائلات سياسية ترى في نفسها التكامل والانسجام.

غير أن الواقع والممارسة اليومية أظهرا عكس ذلك تماما لأن هذه الأحزاب التي كوّنت أقطابا وتقاربت فيما بينها كان في الواقع همّها الوحيد هو تكوين جبهات سياسية انتخابية في المقام الأول لتمثل ثقلا انتخابيا ورصيدا سياسيا يُخوّل لها الدخول للاستحقاقات السياسية بكل قوة فقط لا غير.

فالمتأمل في أغلب الانصهارات والتكتلات التي حصلت بين الأحزاب يلاحظ أن مرجعيتها الفكرية والإيديولوجية غير متجانسة بالمرة فها تستقيم المعادلة بين تقارب تيارات  يسارية ووسطية أو تكوين جبهات سياسية هي في الأصل مزيج بين الدستوريين والنقابيين واليساريين أو حتى حصول تقارب بين القوميين واليساريين الاشتراكيين.

إن هذا التقارب المتضارب لقي صداه مليا في المجلس الوطني التأسيسي أو ما أصبح يعرف بالسياحة الحزبية داخل المجلس وتجسدت في انضمام بعض النواب من اليمين إلى اليسار أو العكس.

لقد بدا واضحا أن التقارب والاندماج الحاصل بين مجموعة من الأحزاب لم يكن في الأصل عن اقتناع و تقارب في الأفكار والمخططات والبرامج السياسية بل هو نابع فقط من مصلحة سياسية آنية وضيقة اقتضت التجاذب والتقارب فقط لا غير، إلاّ أن مجريات الأحداث كشفت مدى التباين والصراع الداخليين الذي لم يصمد كثيرا "لينفجر" ويخرج للعلن.

إن الهدف الذي أردت أحزاب المعارضة أن تصله والمتمثل مثلما أسلفنا الذكر في الدخول للانتخابات القادمة بثقل انتخابي وجمع الشتات الانتخابي وتفادي أخطاء انتخابات 23 أكتوبر 2011 بحصر الأصوات وتقاسمها ضمن الدوائر الانتخابية التي يكون فيها الحزب بمفرده ضعيف وليس له حظوظ في النجاح في جهة أو دائرة انتخابية معينة.

ولسائل أن يسأل أين حركة النهضة من كل هذا؟ الجواب بسيط وظاهر للعيان فالحركة وبالرغم من التجاذبات الداخلية الحاصلة داخلها حول العديد من المسائل فهي إلى حدّ الآن متماسكة ومتراصة الصفوف وثابتة على مرجعيتها الفكرية الإسلامية ولم تتزحزح عن هذه المبادئ التي تقودها وتحركها.

الكل يعلم أن كل الجبهات السياسية التي تم تكوينها بين الأحزاب كان في الأصل هو مقارعة حركة النهضة والتقليص من سيطرتها على الساحة السياسية من منطلق الواقع السياسي (تأخر إنجاز الدستور والانتخابات) والوضع الاقتصادي المتردي باعتبارها في الحكم وتقود الحكومة، فضلا عن الضغط المتواصل الذي تمارسه المعارضة على الحركة إذ ترى المعارضة فشل النهضة ي تسيير البلاد وأنه حان الوقت لتغيير الأوضاع.

في خضم التحولات السياسية والتجاذب الحاصل بين الأحزاب ولا سيما منها أحزاب المعارضة فإن الوضع الراهن والواقع المعاش يظهر أن حزب حركة النهضة يبدو الرابح الكبير من موجة التصدعات والانشقاقات التي تعرفها العديد من الأحزاب في الوقت الراهن بما يضعف موقفها وتموقعها في الساحة السياسية وكذلك اهتزاز صورتها لدى الرأي العام الذي يمثل الرصيد الانتخابي البارز.

رياض بودربالة

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.