الغلاء يعصف بالميزانيات الحكومية في بلدان المغرب العربي

تشكل الأسعار العالمية المتزايدة للطاقة والأغذية اختبارا لأنظمة الدعم الحكومي التي مضى عليها عقود في بلدان المغرب العربي، والتي تساعد في إطعام الفقراء وضمان الاستقرار الاجتماعي في المنطقة

تشكل الأسعار العالمية المتزايدة للطاقة والأغذية اختبارا لأنظمة الدعم الحكومي التي مضى عليها عقود في بلدان المغرب العربي، والتي تساعد في إطعام الفقراء وضمان الاستقرار الاجتماعي في المنطقة.

فنسبة كبيرة من ميزانيات الدولة في تونس والمغرب والجزائر تذهب إلى الدعم الحكومي لتغطية الفرق بين تكلفة الوقود والسكر والطحين (الدقيق) وغيره من السلع الأساسية في الأسواق العالمية وما يستطيع السكان في هذه الدولة دفعه فعلا.

ومع ارتفاع أسعار تلك السلع إلى مستويات شبه قياسية فإن تكلفة دعمها تستنزف عائدات يمكن استخدامها في تحسين خدمات التعليم والصحة وجعل الشركات المحلية أقدر على المنافسة مع سقوط حواجز التجارة العالمية.

 
وقد خصصت الحكومة المغربية 15 مليار درهم (2.05 مليار دولار) في ميزانيتها لعام 2008 من أجل إعادة ملء خزانة صندوقها للتعويضات (الدعم) وهو ما يزيد كثيرا عن مستويات الأعوام السابقة.

ويستند رقم المخصصات إلى افتراض أن سعر النفط 75 دولارا للبرميل. وقد وصل سعر العقود الأجلة للنفط الخام مستوى قياسيا 111.80 دولار في 17 من مارس/آذار الماضي.

وقال خوسيه لوبيز كاليكس كبير خبراء البنك الدولي للمغرب والجزائر "ستنفد هذه الأموال في شهر جوان أو جويلية، ولذا بدأ الناس يعتقدون أن التكلفة النهائية قد تصل إلى 30 مليار درهم أو حتى إلى 35 مليارا".

وقال لوبيز كاليكس إن المغرب ينفق الآن على الدعم الحكومي للسلع أكثر مما ينفق على الاستثمار في الصحة أو الطرق وسوف يكافح لإبقاء الدعم الحالي دون السماح لعجز الميزانية أن يتجاوز الحد المستهدف 3.5 في المائة.

ويقول خبراء اقتصاديون إن الدعم الحكومي لم يعد يحقق أهدافه المعلنة فأكبر المستفيدين منه في المغرب وتونس هم الآن الطبقة المتوسطة لا الفقراء الذين يفترض أنه يهدف إلى مساعدتهم.

غير أن معدل التضخم السنوي لأسعار الأغذية في هاتين الدولتين بلغ 4.8 في المائة و8.6 في المائة على التوالي في شهر فيفري. ويقول محللون إن إصلاح أنظمة الدعم ينطوي على مخاطر سياسية كبيرة بالنظر إلى أن مجموعات كاملة من السكان تستفيد منه.

ويعيش ما يصل إلى 40 في المائة من المغاربة حياة فقيرة أو هامشية ويبلغ الحد الأدنى الشهري للأجور لحوالي ثلاثة أرباع الموظفين 1900 درهم شهريا، وهو رقم هبط في قيمته الحقيقية منذ تم تحديده في عام 2004.

وبعد عقود من ضعف الأداء الاقتصادي أصبح نصيب الفرد من الدخل القومي في المغرب وتونس 1750 دولارا و2880 دولارا على الترتيب في سنة 2005 بالمقارنة مع 27028 دولارا في إسبانيا أقرب جيران المغرب، وذلك حسبما تظهره إحصاءات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والبنك الدولي.

 
وتوجد في تونس أكبر طبقة متوسطة في إفريقيا، لكن بعد سنوات من التحسن المطرد لمستويات المعيشة فإن المستهلكين بدأوا يشعرون بوطأة الغلاء.

 
وقالت عايدة بن ساسي، وهي متسوقة في العاصمة تونس إنها تحاول رد قرض مستحق عليها، "إني أنفق أكثر مما أكسب، لكني لا أشتري إلا ما هو ضروري لاطعام أطفالي والعيش".

 
وقال قاسم البالغ من العمر 40 عاما ولديه طفلة إنه اضطر للاستدانة لأن دخله راكد والغلاء شديد.

وقال قاسم "أموالي تتلاشى. إذا كان لديك 20 دينارا في جيبك في الصباح فلتتأكد انها ستنفد في المساء ولن تعرف كيف حدث ذلك".

 
وقال عزام محجوب أستاذ الاقتصاد في جامعة تونس إن "وضع الطبقة المتوسطة أصابه الركود. والحكومة تحاول معالجة التضخم بزيادة الدعم، وفي الوقت نفسه محاولة الالتزام بالحد المستهدف لعجز الميزانية ثلاثة في المائة كما يشترط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي".

أما الجزائر التي لديها عائدات وفيرة من صادراتها النفطية فإنها تواجه مشكلات أقل إلحاحا من جارتيها لكن قضية إصلاح الدعم قد تثور في المباحثات بشأن عضويتها في منظمة التجارة العالمية.

وتغطي مشكلة ارتفاع الأسعار على المباحثات في المغرب بين الحكومة وأرباب الأعمال ونقابات العمال لتحديد الحد الأدنى للأجور. ويقول محللون إن الحكومة سوف تتفادي معالجة قضية حساسة مثل إصلاح الدعم لبعض الوقت.

ومازال الدعم الحكومي أداة مفيدة للسيطرة على التضخم. والسماح للوقود والأغذية بأن تقتفي أثر الأسعار العالمية بدرجة أكبر قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وينذر بإفساد ازدهار ائتماني ساعد في تحفيز استثمارات القطاع الخاص بالمغرب.

ويقول بعض الاقتصاديين إن مؤسسات الإقراض الدولية بالغت في تصوير قضية أنظمة الدعم في بلاد المغرب العربي وإن الحكومات يمكنها تعزيز مواردها المالية دون الإضرار بالفقراء إذا أزالت أولا طائفة من الثغرات الضريبية للموسرين.

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.