الشركة التونسية للسكر “تحتضر” فلماذا لا تساعدها الحكومة؟

في أفريل 2009 كان سعر الكلغ من السكر في تونس 660 مليما. حاليا أصبح 950 مليما. ومع نهاية 2010 ليس مستبعدا أن يصبح 1200 مليما، على حدّ توقعات المدير التجاري للشركة التونسية للسكر مراد بن قمرة، صاحب الـ24 عاما خبرة في القطاع. للوهلة الأولى قد يلاحظ القارئ أنّ سعر السكر في تونس أخذ نسقا تصاعديا

الشركة التونسية للسكر "تحتضر" فلماذا لا تساعدها الحكومة؟

 
 

في أفريل 2009 كان سعر الكلغ من السكر في تونس 660 مليما. حاليا أصبح 950 مليما. ومع نهاية 2010 ليس مستبعدا أن يصبح 1200 مليما، على حدّ توقعات المدير التجاري للشركة التونسية للسكر مراد بن قمرة، صاحب الـ24 عاما خبرة في القطاع.

 

للوهلة الأولى قد يلاحظ القارئ أنّ سعر السكر في تونس أخذ نسقا تصاعديا لا رجعة فيه، وأنّ المستهلك التونسي هو الذي سيدفع الفاتورة غاليا. ولكن يغيب عن البعض أنّ تونس لا تنتج السكر، وأنها تقوم باستيراد حاجياتها من هذه المادّة بأسعار عالمية باهضة، ثمّ تبيعها في السوق المحلية بأسعار زهيدة، وهو ما ألحق الضرر بالشركة التونسية للسكر، على حدّ قول مراد بن قمرة.

 

وتقدّر حاجيات تونس من السكر بـ320 ألف طن سنويا، باعتبار أنّ المستهلك التونسي يتناول 32 كلغ من السكر في العام، حسب دراسة قامت بها الشركة التونسية للسكر (عمومية).

 

ويتكفل الديوان التونسي للتجارة بتوريد 60 بالمائة من حاجيات تونس للسكر، بينما كانت الشركة التونسية للسكر تستورد منذ سنوات الكمية المتبقية. أمّا الآن فهي عاجزة عن القيام بهذه المهمة بسبب تخبّطها في أزمة مالية غريبة.

 

لقد أصبحت مهمّة هذه الشركة، التي تأسست عام 1962، تقتصر على تكرير السكر الخام بمصنع باجة بأسعار بخسة (90 دينار مقابل الطن الواحد)، وذلك كلّما قام الديوان التونسي للتجارة بتوريد كميات منه، في صورة ما كان سعر السكر الأبيض في الأسواق العالمية مكلف جدّا. ومعلوم أن سعر السكر الخام أقل من السكر الأبيض.

 

وبلغ سعر السكر الأبيض في منتصف نهار يوم الثلاثاء 02 مارس 2009 في السوق العالمية حوالي 640 دولار للطن الواحد. وعندما يقوم الديوان التونسي للتجارة أو الشركة التونسية للسكر بتوريده بهذا السعر، فإنهما يتحملان إضافة إلى سعره مصاريف الاستيراد كنفقات الشحن المقدرة بحوالي 50 دولارا للطن، والمعاليم الجمركية في تونس (5 بالمائة)، ونفقات التفريغ والترصيف…

 

ونظرا للتكاليف الباهضة للاستيراد وتدني سعر بيع السكر في تونس مقابل ما تتحمله الشركة التونسية للسكر من نفقات مكلفة، فإنّ هذه الأخيرة مهددة بالإفلاس والتفويت نهاية 2010.

 

وقد أقرّت الحكومة في برنامج الخوصصة لعام 2010 التفويت بنسبة 68 بالمائة من رأس مال الشركة المذكورة (منها 40 بالمائة حصة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و11 بالمائة للبنك الوطني الفلاحي)، وذلك بسبب الخسائر المالية الكبيرة التي تتكبدها منذ عام 2005.

 

ويقول المدير التجاري للشركة التونسية للسكر مراد بن قمرة "لقد عرفت هذه المؤسسة نموا كبيرا عام 2004، إذ حققت أرباحا بحوالي 8 ملايين دينار، لكن انطلاقا من عام 2005 بدأت الأمور تسير نحو الأسوأ، وهذا ليس بسبب سوء التصرف الإداري أو لأنّ السكر مادة لا تلقى رواجا كبيرا في السوق وإنما بسبب تسعيرة السكر التي لا تتماشى مع نفقات الشركة".

 

ويقدّر حجم الخسائر التي تكبدتها الشركة عام 2008 بحوالي 17 مليون دينار، وهي خسائر أكثر بقليل من تلك التي وقع تسجيلها عام 2009، حسب تصريحات بن قمرة، الذي فضل عدم الكشف عن القيمة بالتحديد.

 

ومن المتوقع في الأشهر المقبلة أن لا تجد الشركة أية تمويلات لتسديد أجور عمالها خاصّة وأن البنوك أحجمت جميعا على منحها أية قروض بسبب عجزها المالي. ولا نعلم حاليا كيف تتصرف الشركة لتسديد أجور عمالها في مصنع باجة؟؟

 

وتعود خسائر الشركة التونسية للسكر حسب بن قمرة إلى عدّة أسباب لعل أهمّها تدني سعر السكر المسعّر من قبل الدولة عند البيع في السوق المحلية (950 مليم). وتبيع الشركة التونسية للسكر الكلغ الواحد من هذه المادة مقابل 890 مليم للمصانع وباعة الجملة، وهو سعر لا يغطي نفقاتها باعتبار أنّ الكلغ الواحد للسكر يكلفها في حدود 1040 مليم.

 

لقد حافظ سعر السكر على مؤشرات مرتفعة في الأسواق العالمية رغم الأزمة الإقتصادية، التي انطلقت عام 2008، وذلك بسبب استخدام حقول القصب السكري في أكبر البلدان المصدرة مثل البرازيل لإنتاج مادة الإيثانول.

 

وقد أصبحت الهند، ثاني مصدر عالمي للسكر، من أبرز الموردين لهذه المادة بسبب ارتفاع الطلب الداخلي. حتى الصينيون الذين كانوا يتناولون الشاي دون سكر أصبحوا جراء الانتعاشة الاقتصادية وتحسن ظروف العيش يستهلكونه بإفراط.

 

والحقيقة أنّ سعر السكر في تونس على الرّغم من كونه لم يعد مدعما منذ عام 1994 من قبل الدّولة، إلا أنه يعتبر الأبخس مقارنة بأسعاره في المنطقة. ومع ذلك يتذّمر التونسيون من كل زيادة في الأسعار حتى دون أن يكون لدى بعضهم علم بسعر الكلغ من السكر في السوق، ويسرفون في استهلاكه إلى حدّ المرض ولا يهتمون بالشأن العام المتعلق بهذا الموضوع…

 

وعلى أية حال حتى وإن كان المواطن مستقيلا من الشأن الوطني، إلا أنّ الحكومة يقظة وتدرك جيدا ما يتعلق بقطاع السكر، الذي يعصف بمستقبل الشركة التونسية للسكر، التي باتت عملية التفريط فيها قاب قوسين أو أدنى.

 

فلماذا لاتقوم الدولة بالترفيع أكثر في سعر السكر حتى تتمكن الشركة التونسية للسكر من استعادة نموها والبقاء في الساحة الاقتصادية؟ ثمّ هل يعقل أن يشتري أي مستثمر حصة الدولة في هذه الشركة وهو متأكد بأنها ستبقي على سعر السكر على حاله، وهو ما سيقوده حتما للخسارة؟

 

الاحتمال الأقرب للمنطق في هذه الحالة هو أنّ الدولة لن تبقي أسعار السكر على حالها مع قرب موعد التفويت في الشركة التونسية للسكر لمستثمر جديد. وبالتالي فإن التوقعات بأن ترتفع أسعار السكر العام المقبل إلى 1200 مليم ليست مستبعدة بالمرّة.

 

خميس بن بريك

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.