فقدان الإسمنت في تونس: الحكومة تتحرك وبعد؟

وجّهت وزارة الصناعة والتكنولوجيا ووزارة التجارة إنذارا إلى أصحاب مصانع الإسمنت الأجانب بعدما لاحظت وجود نقص في المعروض وذلك بسبب بوجود نزعة تصديرية للإسمنت لتحقيق أرباح أكبر عوضا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي المحلي. فهل ستستجيب المصانع إلى تحذيرات وزارتي الإشراف؟

فقدان الإسمنت في تونس: الحكومة تتحرك وبعد؟

 
 

ما تزال السوق التونسية تشهد نقصا ملحوظا في الإسمنت. هذا النقص في العرض تولّد عنه ظهور سوق سوداء بلغ فيها سعر الكيس الواحد من الإسمنت 8 دنانير عند بعض الباعة، مقابل 5600 مليم بالثمن المسعر حاليا. 

 

ويشتكي باعة الجملة لمواد البناء من صعوبة الحصول على الإسمنت من المصانع، التي تفضّل بيع بضاعتها إلى شركات ليبية وجزائرية تقوم بإرسال شاحناتها إلى تونس لاستيراد حمولات كبيرة عن طريق البرّ (انظر الصورة).

 

ويرى بعض العاملين في القطاع أنّ مصانع الإسمنت (وعددها 6 مصانع، يمتلك مستثمرون أوروبيون 5 منها) تسعى في وقت ذروة البناء خاصة مع حلول الصيف إلى تشكيل "لوبي" للضغط على الحكومة من أجل ترفيع سعر الإسمنت.

 

ونتج عن هذا "اللوبي" خلل على مستوى التوزيع على الرّغم من أنّ الإنتاج لم يتراجع حسب معطيات وزارة الصناعة والتكنولوجيا. لكن أصحاب المصانع يتذرعون كالعادة بأنّ النقص يعود لارتفاع الطلب الداخلي أو بسبب توقف الإنتاج لصيانة الآلات…

 

لقد خلق فقدان الإسمنت من مخازن باعة الجملة نتيجة هذا "اللوبي" بطالة تقنية في صفوف بعض العاملين في البناء. فالمقاول وعمال البناء واللّحام كلهم في أمسّ الحاجة للإسمنت لمتابعة نشاطهم وكسب رزقهم اليومي.

 

وتعلم الحكومة جيدا أنّ نموّ قطاع العقارات بالبلاد يتولد عنه استهلاك كبير لمواد البناء وعلى رأسها الإسمنت، وهي تسعى لحماية المقدرة الشرائية للمواطن من خلال تسعير الإسمنت.

 

لكنّ المصانع التي تلهث وراء مردودية مشاريعها وجني أكبر للأرباح تعتبر أنّ الأسعار الحالية لا تتماشى وتكلفة الإنتاج وأهدافها الربحية، لذلك أصبحت تستهدف تصدير منتوجها بأسعار أغلى مما هي عليه في السوق الداخلية.

 

وانتبهت وزارة الصناعة والتكنولوجيا ووزارة التجارة إلى هذا المشكل بعدما تكاثر الضغط من قبل وسائل الإعلام. فتقريرنا الذي نشرناه بعنوان "تونس: أين اختفى الإسمنت رغم كثرة المصانع؟"، والذي تلته فيما بعد موجة من المقالات نشرت في بعض الصحف المحلية، حملت الوزارتين المعنيتين بالأمر (على مستوى الإنتاج والتوزيع) إلى دعوة المسؤولين عن المصانع لتوجيه إشارة جادّة بأنّ تأمين تزويد السوق الداخلية بالإسمنت أمر لا نقاش فيه.

 

وانعقد مطلع هذا الأسبوع، اجتماع أشرف عليه وزير الصناعة والتكنولوجيا عفيف شلبي ووزير التجارة رضا بن مصباح وحضره رئيس الغرفة النقابية لمنتجي الإسمنت ومسؤولون عن 6 مصانع إسمنت.

 

وكانت غاية سلطة الإشراف من هذا الاجتماع حمل مصانع الإسمنت على الالتزام بإعطاء أولوية مطلقة للسوق التونسية وتحقيق الاكتفاء الذاتي المحلي قبل التفكير في التصدير وجني الأرباح على حساب مصالح المواطنين.

 

وأكدت وزارة الصناعة على تكثيف المراقبة على مستوى حلقات الإنتاج، بينما أكدت وزارة التجارة على متابعة السوق والتوزيع، وذلك بهدف انتظام الإنتاج وسيولة التوزيع في كل مناطق البلاد.

 
وتعمل حاليا كل مصانع الإسمنت بطاقتها القصوى إذ تنتج يوميا 25 الف طن، حسبما أكده رئيس الغرفة النقابية لمنتجي الإسمنت. وبالتالي فإنّ الاضطراب في العرض لا يعود إلى تراجع الإنتاج وإنما لخلل في التوزيع.

 

إذا كان لهذا الاجتماع طابع إنذاري من قبل وزارتي الإشراف لأصحاب مصانع الإسمنت، شعاره الأولوية للسوق المحلية والتصدير في مرحلة ثانية.

 

لكن هل ستستجيب المصانع لطلبات السلطة؟ وهل سيعود الإسمنت إلى السوق المحلية بنفس الأسعار؟ وماهي الإجراءات التي ستتخذها الحكومة لردع أي تلاعب من قبل المستثمرين الأجانب بالمصلحة العامّة؟

 

الكثير من الأسئلة والكثير من المقالات التي يمكن كتابتها في ملف الإسمنت، فأيّ اتجاه سيأخذ هذا الموضوع؟

 

خ ب ب

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.