تونس: الانفلات الإعلامي خطر آخر يجب مراقبته

رافقت ثورة 14 جانفي 2011 وانتفاضة الشعب التونسي ضد القهر والظلم الأمل في مستقبل مشرق تتحقق من خلاله أحلام كامل لتجسيد الحرية الحقيقية والمسؤولة وتكريس الديمقراطية الحقة. هذا الأمل والفرحة سرعان ما تزامن معهما منذ التاريخ المذكور آنفا، انفلات أمني أدخل الرعب والفزع في …



تونس: الانفلات الإعلامي خطر آخر يجب مراقبته

 

رافقت ثورة 14 جانفي 2011 وانتفاضة الشعب التونسي ضد القهر والظلم الأمل في مستقبل مشرق تتحقق من خلاله أحلام كامل لتجسيد الحرية الحقيقية والمسؤولة وتكريس الديمقراطية الحقة.

 

هذا الأمل والفرحة سرعان ما تزامن معهما منذ التاريخ المذكور آنفا، انفلات أمني أدخل الرعب والفزع في قلوب التونسيين بتسلل عصابات مسلحة ومأجورة هدفها الأساسي تخويف المواطنين وبث الهلع وإرباكه.

 

ولئن توفقت هذه الشرذمة في تحقيق جزء من مآربها ولو نسبيا باستهداف الأبرياء فإن كل فئات المجتمع التونسي تسلّحت بالعزيمة والرغبة الجامحة في إنجاح الثورة وإجهاض الأغراض الدنيئة لهذه العصابات وتجسّم ذلك جليا بتكوين لجان شعبية ترجمت بحق التضامن الحقيقي والفعلي بين كافة شرائح الشعب التونسي.

 

هذا الانفلات الأمني الذي لم يُعمّر طويلا واستغرق بضعة أيام لتنفرج الأوضاع بصفة تدريجية مع تسجيل هدوء هام على مستوى الوضع الأمني في كامل البلاد من خلال القبض على "المرتزقة" المحسوبين على النظام السابق.

 

وما إن تمت السيطرة على الأوضاع وتراجع الانفلات الأمني بصفة ملحوظة، حتى طفى على الساحة انفلات إعلامي في الآونة الأخيرة غير مسبوق بالمرة في تاريخ البلاد، ولعمري هو أخطر بكثير من الانفلات الأمني الذي بالإمكان السيطرة عليه .

 

إن هذا الانفلات الإعلامي الذي نلاحظه ونشاهده خلال الفترة الأخيرة له تأثير مباشر وعميق على مستوى توجيه الرأي العام في البلاد، فالمتابع لشريط الإحداث في تونس منذ يوم 14 جانفي 2011 يحسّ انفلاتا حقيقيا وزيغا لوسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة وبمختلف أشكالها وأنواعها.

 

هذه المسألة لو تعمقنا فيها بعض الشيء ستقودنا إلى بعض الحقائق والوقائع والخلفيات لعل لأبرزها أن جل وسائل الإعلام (باستثناء بعض الصحف الصادرة عن الأحزاب المعارضة غير المعترف بها في العهد السابق) كانت مُلجّمة ولها تقريبا خطاب إعلامي واحد يدور حول شخصنة الرئيس المخلوع وتعداد "مكاسبه وإنجازاته لفائدة البلاد" فضلا عن أن وسائل الإعلام ولا يخفى على أحد أنها كانت مجرّد بوق وتتحرك بالتعليمات وتتقيد بضوابط مُحدّدة ومُعيّنة إلى درجة الرتابة.

 

هذه الوضعية جعلت الرأي العام في تونس يلجأ إلى البديل وهو الفضائيات العربية والأجنبية والأنترنات التي وجد فيها ضالته وما ينبغي أن يعرفه عما يحدث في البلاد.

 

وفور اندلاع ثورة الشعب التونسي وهروب الرئيس السابق حصل انفلات إعلامي رهيب، تخلصت من خلاله كل وسائل الإعلام من كل رقابة وسلطة جائرة ومع تقدم الأيام الأولى للثورة الشعبية تحولت جل القنوات التلفزية العمومية والخاصة وحتى الصحف إلى منابر للتحليل والتنظير وإطلاق عديد الأحكام المسبقة التي تهم الشأن السياسي في البلاد.

 

هذه المسألة انعكست بشكل ملموس على الرأي العام الذي كلّما نزل إلى الشارع إلاّ وردّد نفس أفكار الأشخاص الذين يظهرون في الفضاءات التلفزية في فترة ذروة لمشاهدة وحظر التجوال.

 

بالأمس القريب قنوات تلفزية وإذاعية عمومية كانت أو خاصة لها خط تحرير معيّن ألا وهو التركيز على المسائل الرياضية والاجتماعية وخاصة الرياضية والمسابقات، تتحول إلى فضاءات للتنظير السياسي وإطلاق الأحكام من دون أن تعي لخطورة هذه المسألة على الثورة.

 

بالأمس القريب كان لدينا 10 ملايين محلل رياضي واليوم أصبح لدينا 10 ملايين محلل سياسي، الخشية كل الخشية أن يكون لهذا الانفلات الإعلامي تأثير مباشر على مستقبل الثورة الشعبية التي كانت محل لإشادة من المجموعة الدولية في ظرف حساس يتطلب تغليب المصلحة العليا للوطن والحفاظ على هذا المكسب الغالي والنفيس.

 

إدارة الحلقات والملفات السياسية يتطلب منشطين وصحفيين على دراية واسعة وكبيرة بمختلف المسائل، وعدم ترك الحرية المطلقة للضيوف لتمرير عديد الأفكار التي من شأنها أن تؤثر على الواقع السياسي والاقتصادي للبلاد.

 

الأمر الثابت أننا بدأنا منذ يومين نسجل تراجعا لهذا الانفلات الإعلامي من خلال تواجد وجوه إعلامية ورجال سياسة في االفضاءات التلفزية يتمتعون بالرصانة في التعامل مع الثورة وتقديم مقترحات عملية من شأنها أن الحفاظ على هذا المكسب.

 

 

م ز

تعليق واحد

  1. تعقيبات: الثورة | Pearltrees

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.