هل تبشر ثورة 14 جانفي بأنموذج تنموي سليم؟

قامت ثورة 14 جانفي 2011 على خلفية جملة من المظالم والتراكمات لأكثر من 23 سنة بلغت ذروتها في العشرية ألخيرة بانتشار الفساد المالي والاقتصادي وانخرام المنظومات الاجتماعية والمؤسساتية، الأمر الذي أدّى إلى تزييف منوال تنموي قائم على جملة من الإخلالات وأكاذيب التي غذتها التقارير غير الصحيحةمن بين المظالم التي استفحلت في العهد السابق، انتشار أنموذج تنموي مغلوط لم يُكرّس بالمرة العدالة الاجتماعية…



هل تبشر ثورة 14 جانفي بأنموذج تنموي سليم؟

 

قامت ثورة 14 جانفي 2011 على خلفية جملة من المظالم والتراكمات لأكثر من 23 سنة بلغت ذروتها في العشرية ألخيرة بانتشار الفساد المالي والاقتصادي وانخرام المنظومات الاجتماعية والمؤسساتية، الأمر الذي أدّى إلى تزييف منوال تنموي قائم على جملة من الإخلالات وأكاذيب التي غذتها التقارير غير الصحيحة.

 

من بين المظالم التي استفحلت في العهد السابق، انتشار أنموذج تنموي مغلوط لم يُكرّس بالمرة العدالة الاجتماعية بتقلّص الطبقة الوسطى بشكل ملموس وبروز طبقة تتألف من بعض الأشخاص ( تلك التابعة للرئيس المخلوع) تمتلك الثروة وتتحكم في دواليب الاستثمار والاقتصاد الوطني فضلا عن غلاء المعيشة وتراجع القدرة الشرائية للمواطن.

 

وحتى المفاوضات الاجتماعية حول الزيادة في الأجور مرة كل 3 سنوات والتي اعتبرها العديد منن المنافقين مفخرة من مفاخر العهد الغابر، كانت كذبة كبرى باعتبار أنه مع كل زيادة في الأجور ترافقها موجة من الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية بطريقة تصبح الزيادة في أجور الموظفين والشغالين لا تواكب موجة الترفيع في معاليم الاستهلاك.

 

حقيقة أخرى لا يجب التغافل عنها في السنوات الفارطة وهي أن أغلب التونسيين أصبحوا عاجزين عن الادخار من منطلق أن كل عائلة أضحت "مرهونة" لدى البنوك بسبب غلاء مستوى المعيشة وأنه من الصعب مجاراة النسق السريع للحياة.

 

والآن وقد تغيرت الأمور بالإطاحة بالرئيس الهارب وعائلته وأصهاره والقطع مع حقبة زمنية( 23 سنة) لم تكن بالتأكيد مضيئة سمتها البارزة الظلم والاستبداد، تدخل تونس مرحلة جديدة في تاريخها ومنعرجا حاسما في مسارها التنموي بالحرص على التأسيس لأنموذج تنموي يراعي بحق بين الاستحقاقات الاجتماعية والتحديات الاقتصادية المنتظرة.

 

سنة 2011 والتي مضى عليها شهران وبضعة أيام، ستكون بالتأكيد سنة بكل المقاييس مفصلية واسترايجية على عدة أوجه وأصعدة، باعتبارها ستكون التي سيتحقق بواسطتها المستقبل السياسي للبلاد بانتخابات رئاسية وتشريعية  من المفروض أن تكون شفافة ونزيهة.

 

ولقد شكلت الكلمة التي ألقاها رئيس الجمهورية المؤقت و التصريح الصحفي للوزير الأول المؤقت منطلقا سياسيا من خلال رسم خارطة طريق جديدة من شانها أن تمثل صمّام أمان لكافة الأطياف السياسية للعمل من أجل خدمة مصلحة البلاد بعيدا عن المزايدات والحسابات الضيّقة.

 

أمّا من حيث الجانب الاجتماعي، فإنّ السنة الحالية ستكون محورية مثلما أسلفنا الذكر بخصوص المفاوضات الاجتماعية حول الزيادة في الأجور والتخطيط لسياسة اجتماعية تكون أكثر عدالة وتوزيع أفضل للثروة وتكون فيها لكل فئات المجتمع التونسي أوفر حظا لا سيما من حيث توفير التشغيل وتحسين ظروف العيش.

 

وبالنسبة إلى الملف الاقتصادي فإنّ هذه السنة من المفروض أن تعرف عديد التحديات الجسام لعلّ أبرزها إعطاء نفس جديد لدواليب الاقتصاد الوطني من حيث استحثاث نسق الاستثمار الخاص واستعادة مناخ الثقة في أوساط رجال الأعمال التونسيين والأجانب الذين عجزوا عن الاستثمار وبعث المشاريع بسبب الخوف والريبة الذين انتابهم في العهد السابق من خلال سطو عائلة الرئيس المخلوع وأصهاره على كل مشروع ناجح، الأمر الذي جعل مناخ الأعمال غير شفاف ومستقر وهو ما أثّر سلبا على نسق إحداث المشاريع والمؤسسات بشكل طبيعي.

 

ومن التحديات الأخرى العمل على مزيد جذب الاستثمار الخارجي المباشر الذي عرف في السنوات الخيرة تذبذبا في نسقه وتقديم أرقام مغلوطة باحتساب عمليات التفويت في المؤسسات العمومية في نطاق التخصيص، لفائدة مؤسسات أجنبية أو ذات رأس مال أجنبي وخاصة في قطاع الاتصالات، ضمن عمليات الاستثمار الخارجي.

وتفترض هذه التحديات على الحكومة المؤقتة إعداد الأرضية لصياغة منوال تنموي أكثر عدالة وصلابة ويأخذ في الاعتبار النقلة السياسية والاجتماعية التي يمرّ بها المجتمع التونسي.

إنّ سنة 2011 ستكون حتما سنة بناء الأسس السليمة لأنموذج تنموي تونسي جديد قائم على مرتكزات العدالة الاجتماعية وديمقراطية التنمية بين كافة الجهات والفئات.

 

مهدي الزغلامي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.