استهلاك المنتوج المحلي التونسي، هل يكون من الحلول الناجعة لإنقاذ الاقتصاد ؟

يشهد الاقتصاد التونسي منذ سنة 2008 صعوبات كبيرة بتحقيق نسب نمو متوسطة أثرت بشكل ملحوظ على حركية النشاط الاقتصادي الذي تجسّم جليا من خلال تراجع نسق تدفق الاستثمار الخارجي المباشر وارتفاع ملحوظ في البطالة من خلال الارتفاع المنقطع النظير لعدد خريجي لتعليم العالي الذي بلغ إلى حدّ الآن زهاء 160 ألف عاطل…



استهلاك المنتوج المحلي التونسي، هل يكون من الحلول الناجعة لإنقاذ الاقتصاد ؟

 

يشهد الاقتصاد التونسي منذ سنة 2008 صعوبات كبيرة بتحقيق نسب نمو متوسطة أثرت بشكل ملحوظ على حركية النشاط الاقتصادي الذي تجسّم جليا من خلال تراجع نسق تدفق الاستثمار الخارجي المباشر وارتفاع ملحوظ في البطالة من خلال الارتفاع المنقطع النظير لعدد خريجي لتعليم العالي الذي بلغ إلى حدّ الآن زهاء 160 ألف عاطل.

 

ويعزى هذا الوضع إلى تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التي لا تزال تلقي بضلالها على الاقتصاد العالمي وهو ما أثر بصفة ملموسة على الاقتصاد التونسي التي تظل سوقا ضيّقة وتفتقر إلى موارد طبيعية هامة الأمر الذي يجعل قدرها الصراع المتواصل لاستنباط الأساليب والآليات لإيجاد الحلول الناجعة للاستجابة إلى الطلبات الإضافية للتشغيل وممّا زاد الطين بله أنموذج تنموي مغلوط ساهم بشكل ملحوظ في تفاقم الإشكاليات التنموية للبلد.

 

المؤشرات الاقتصادية لسنتي 2009 و2010 تبرز الصعوبات التي ما انفكّ يعرفها الاقتصاد التونسي كما أظهرت مدى تراجع الاستثمار الخاص وكذلك الأجنبي وهما العاملان الأساسيان للدفع بعجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

 

وبقدر ما استبشر الشعب التونسي بثورة 14 جانفي الماضي وما حملته معها من مبادئ الحرية الحقيقية والتفتح والتضامن بين مكونات الشعب التونسي فقد رافقت هذه الثورة والفترة التي تلتها صعوبات جمة لا يزال يعاني منها الاقتصاد الوطني الأمر الذي عطّل سير دواليب الحركة التجارية و الاستثمار الخاص خاصة في الجهات فضلا عن موجة الاعتصامات والإضرابات هذا إلى جانب التراجع المُسجّل في الاستهلاك بفعل عوامل الريبة والشك اللذين انتابا المجتمع التونسي من الخوف من المستقبل وهو ما أثّر على مستوى السيولة المتوفرة في السوق المفروض أن تضخ الحركة على مستوى تنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد.

 

وفي ظل تراجع نسق النمو في منطقة اليورو الحريف الأول لتونس على مستوى المبادلات التجارية وارتفاع أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية علاوة على الأوضاع الصعبة التي تمر بها الشقيقة ليبيا من أكبر حرفاء تونس ( التصدير بمعدل 2000 مليون دينار سنويا).

 

آفاق الاقتصاد التونسي تبدو متذبذبة وغير واضحة وهو في حاجة ماسة إلى العودة إلى عافيته حتى يتمكن من رفع تحديات التشغيل واستحثاث نسق الاستثمار الخاص.

 

الحلول العملية التي نراها أكثر جدية ومعقولة تتمثل أساسا في مبادئ انبنت عليها الثورة ألا وهي التضامن والتكافل والتآزر وتتجسّم على أرض الواقع من خلال الإقبال على استهلاك المنتوج المحلي التونسي الذي يظهر في هذا الظرف واجبا وطنيا، باعتبار أن شراء البضاعة المُصنّعة محليا من شأنها أن تخلق حركية اقتصادية بين كافة المتدخلين من مصانع ووحدات إنتاج وتجارة توزيع وتفصيل وتجار وصولا إلى  المستهلك.

 

التشجيع على استهلاك المنتوج الوطني يمثل في الوقت الراهن ضرورة وليس خيارا وهو مرتبط بدرجة وعي التونسي الذي صنع ثورته وانتفض ضد الغطرسة والظلم، فهو اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى مطالب بأن يجعل لهذه الثورة معان نبيلة وسامية من خلال مساندة النشاط التجاري واقتناء منتوج بلاده.

 

يمكن من خلال هذا الطرح أن نتحدث عن تضامن اقتصادي حقيقي بين مختلف شرائح المجتمع التونسي والأطراف الاقتصادية المطالبة من موقعها بأن تقترب أكثر من المستهلك، وبالإمكان إحداث حراك تجاري واقتصادي من شأنه أن يساعد على تجاوز هذه الوضعية الصعبة.

 

الوضع الاقتصادي للبلاد على غاية من الدقة والحساسية ويتطلّب مضاعفة الجهود من أجل إنقاذ الاقتصاد والذي قد يكون الترفيع من استهلاك المنتوج المحلي  من بين الحلول العملية والهامة لتنشيط الحركة التجارية وإحداث حلقة اقتصادية متكاملة العناصر انطلاقا من تعزيز نشاط الوحدات المختصة في   المواد الأولية وتشغيل الوحدات الإنتاجية ومرورا بإعادة الحياة إلى التجار وخاصة الصغار منهم الذين يعيشون حالة كساد هامة في هذه الفترة ووصولا إلى المستهلك الذي سيكون المُنشّط الرئيسي للدورة الاقتصادية.

 

طبعا من دون أن نتغافل عن الانعكاسات الإيجابية لهذه المسألة على مستوى الحفاظ على مواطن الشغل وتدعيمها بفضل ما يساهم فيه الإقبال على المنتوج المحلي.

 

إنّ الحكومة المؤقتة وعبر الوزارات المعنية وبالتعاون مع المنظمات المهنية واتحاد الشغل ومنظمة الدفاع عن المستهلك مطالبة بتنظيم حملة وطنية واسعة النطاق تراهن على التحسيس بضرورة استهلاك المنتوج التونسي وكمنقذ للوضع الحالي للاقتصاد التونسي.

 

 

مهدي الزغلامي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.