أية مقاربة لتمويل الأحزاب في تونس بعد الثورة؟

تحصّل حوالي 70 حزبا في تونس على ترخيص من وزارة الداخلية، وبقدر ما يمثل هذا الوضع ظاهرة صحية تنمّ عن حراك سياسي تعددي في مرحلة الانتقال الديمقراطي الذي تمر به البلاد، إلاّ أن مسألة تمويل هذه الأحزاب …



أية مقاربة لتمويل الأحزاب في تونس بعد الثورة؟

 

تحصّل حوالي 70 حزبا في تونس على ترخيص من وزارة الداخلية، وبقدر ما يمثل هذا الوضع ظاهرة صحية تنمّ عن حراك سياسي تعددي في مرحلة الانتقال الديمقراطي الذي تمر به البلاد، إلاّ أن مسألة تمويل هذه الأحزاب بصفة عادية وخاصة تمويلها خلال انتخابات المجلس التأسيسي المزمع إجراؤه يوم 24 جويلية القادم أصبحت تُطرح بشكل مُلح في الوقف الذي بدأت تتصاعد فيه المواقف والآراء وتتباين حول طرق وكيفية تمويل الأحزاب السياسية.

 

الندوة التي نظّمها كامل يوم الجمعة مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي شكّل مناسبة بارزة لطرح الإشكاليات والمقاربات المتصلة بتشريعات وتمويل الأحزاب في تونس خاصة بعد الثورة.

 

وعن الوضع الراهن ونقاط الضعف في عملية تمويل الأحزاب في البلاد وطرق مراقبتها، استجوبنا السيد حسين حاج مسعود قاض لدى دائرة المحاسبات بتونس الذي أوضح للمصدر أن عملية تمويل الأحزاب تنقسم إلى عنصرين إثنين أولهما تمويل الحملات الانتخابية وثانيهما تمويل الأحزاب في حدّ ذاتها.

 

وأبرز أن جانب تمويل الحملات الانتخابية من الناحية التشريعية يعرف فراغا قانونيا بمعنى غياب نصّ قانوني يوضّح هذه النقطة، مشيرا إلى أنّ وجود نصّ قانوني يهتم بالجوانب المالية من خلال تكفّل الدولة بتقديم منح سنوية للأحزاب خاصّة تلك المُعترف بها في العهد السابق وتبلغ هذه المنحة 235 ألف دينار سنويا.

 

وعن دور دائرة المحاسبات في مجمل هذه المسائل بيّن محدثنا أنها تتلقى سنويا القوائم المالية للأحزاب وتتوالى عمليات المراقبة والتدقيق المالي والنظر في مطابقتها مع الموازنات المالية للأحزاب. وأفادنا أن دائرة المحاسبات ومنذ سنة 1990 وإلى حدود بداية شهر جانفي 2011 تقوم سنويا بإرسال مذكّرة إلى رئيس الجمهورية في القوائم المالية للأحزاب.

 

وعمّا إذا تحصّلت بعض الأحزاب على التمويل العمومي بعد الثورة، نفى محدثنا قطعيا هذه المسألة مبرزا أن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي تعكف على صياغة مشروع قانون جديد خاص بالأحزاب السياسية في تونس والتعاطي مع المشهد السياسي الجديد الذي تعيشه تونس بعد الثورة.

 

وأبدى محدثنا نوعا من القلق والتخوّف بشأن عملية التمويل العمومي للأحزاب والإشكاليات التي سيطرحها العدد المرتفع لها والذي فاق 60 حزبا وهم ومُرشّح للتكاثر. وتسائل عن استعداد الحكومة المؤقتة لتقديم مبلغ يفوق 14 مليون دينار في هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به تونس على خلفية أن قيمة المنحة السنوية للأحزب تقدر بحوالي 235 ألف دينار (للحزب الواحد).

 

زد على ذلك المبالغ الطائلة التي سيقع صرفها على مستوى تمويل الحملات الانتخابية في فترة انتخابات المجلس التأسيسي.

 

وأمام تعقّد الموقف وتشعّبه فإن من الإشكاليات المطروحة حاليا في عملية تمويل الأحزاب السياسية هو عملية مراقبة هذه الأحزاب في اللجوء إلى التمويل الخارجي وما راج من إشاعات ومواقف متباينة حول طرق تمويل الأحزاب في تونس في الوقت الراهن.

 

الأمر الثابت أن تكاثر عدد الأحزاب السياسية منذ سقوط النظام السابق يُعدّ أمرا لافتا للانتباه من خلال تشكّل خارطة سياسية جديدة في انتظار الاستحقاق الانتخابي المُرتقب ولعلّ أبرز التحديات التي تواجهها هذه الأحزاب مثلما أسلفنا الذكر طرق التمويل وكيفية الحصول على التمويلات في إطار ما يسمح به القانون في ظلّ عدم جاهزية نص قانوني يوضّح هذه المسالة ويوفر المساواة والعدالة بين الأحزاب في الوصل إلى التمويل.

 

إنّ تمويل الأحزاب يُعدّ مشغلا بالغ الحساسية على وجه الخصوص إذ يتعلق الأمر أساسا بتسوية العلاقات القائمة بين المال والسياسة، وستتعلق الإشكاليات المطروحة بثلاثة عناصر جوهرية، أولها التمويل العمومي للأحزاب السياسية من حيث تحديد الإعانة العمومية المرصودة الأحزاب وكيفية ضمان المساواة بين الأحزاب فضلا عن تحقيق كل من الرقابة والمتابعة.

 

وثانيها التمويل الخاصّ للأحزاب من خلال كيفية تحديد المساهمات المالية لأعضاء الحزب وأشكال التمويل الخاص ومخاطره وطرق التصرف في الهبات والمنح علاوة على تشخيص مصادر التمويل المسموح بها مع بحث سبل التوقي من المعاملات ذات التأثيرات المشبوهة.

 

وثالثها وسائل المتابعة والمراقبة من قبل الأحزاب السياسية والدولة عبر تعزيز الممارسات المحاسبية الجيّدة في صلب الأحزاب وضمان قدر من الشفافية المالية.

 

إجمالا يطرح موضوع تمويل الأحزاب السياسية في تونس بعد الثورة جملة من الإشكاليات والمقاربات التي يتعين الإسراع بتشخيصها وهو ملف خطير موضوع على الهيئة العليا لوضع نص قانوني جديد يأخذ في الاعتبار الإشكاليات السالفة الذكر.

 

محرز الماجري

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.