حان وقت المراجعة الشاملة للإعلام وللإعلاميين في تونس

انعقد مؤتمر النقابة الوطنية للصحافيين أواخر الأسبوع المنصرم مما شكل فرصة للمهنيين اليوم وبعد أكثر من خمس أشهر من عمر الثورة التونسية للتساؤل عما حدث في القطاع إلى حد الآن وعما يمكن ويجب أن يقع سواء على المستويات الذاتية لدى عديد …



حان وقت المراجعة الشاملة للإعلام وللإعلاميين في تونس

 

انعقد مؤتمر النقابة الوطنية للصحافيين أواخر الأسبوع المنصرم  مما شكل فرصة للمهنيين اليوم وبعد أكثر من خمس أشهر من عمر الثورة التونسية للتساؤل عما حدث في القطاع إلى حد الآن وعما يمكن ويجب أن يقع سواء على المستويات الذاتية لدى عديد الصحافيين أو على المستويات الموضوعية في المؤسسات وفيما حولها… كما أن التساؤلات التي طرحت وبحدة أحيانا تمحورت بالأساس حول هذا التوق إلى عملية تنظيفية تنخرط المهنة فيها ويقوم بها أهل المهنة للمضي قدما نحو آفاق جديدة أرحب وأكبر بعد إبعاد وإصلاح ما أفسد عهد بن علي فينا وفي إعلامنا … وهو ليس بالنزر اليسير.

لا يزال أداء الإعلام الوطني أحد ابرز نقاط الخلاف في الساحة السياسية والمدنية بصفة عامة وهذا مرتبط باستشعار جميع الأطراف السياسية والمدنية أن الإعلام حجر زاوية في الوضع الانتقالي وفي الدولة المدنية الديمقراطية التي يصبو التونسيون جميعا لإقامتها. وبحكم أن أجزاء كبيرة من المشهد الإعلامي القديم لاتزال قائمة بنفس الطرق وبنفس الأساليب أحيانا فإن المواطن يتساءل حول هذه القدرة الحربائية للتكيف التي يتمتع بها البعض من جملة ما يتمتعون من صفات ثاقبة. فعدا السيد بوبكر الصغير , ناشر وصاحب مجلة الملاحظ الذي أغلق وتقدم للشعب باعتذار نقلته إحدى التلفزات الأجنبية فإننا لم نر أي اعتراف من هذا القبيل بالرغم عن ارتفاع الفواتير الكبيرة التي كانت وكالة الاتصال الخارجي تدفعها بسخاء لكل مسدي الخدمات في الإعلام البنفسجي القديم وبالتالي فإن المطالبين بكشف الحساب ينتظرون أن تقوم أجهزة القضاء بعملها وتقوم بجرد مفصل للمتمتعين سابقا بأموال وكالة الاتصال الخارجي بمئات آلاف الدنانير من ميزانيات إشهار المؤسسات العمومية التي هي في الأخير أموال الشعب التونسي دافع الضرائب. وقد شهد المؤتمر الأخير لنقابة الصحافيين دعوة صريحة في هذا الإتجاه لإقامة قائمة سوداء يتفق عليها الجميع وتمكن من البدء جديا في عملية تطهير شامل للقطاع.

من سيحاسب على ما قبض من أموال الشعب مقابل خدماته ل"صانع التغيير" ؟

وإن نحن بدأنا مثلا في تفسير فواتير وكالة الاتصال الخارجي التي كانت تتمتع بها بعض اليوميات والأسبوعيات( يوميات وأسبوعيات لا تزال تفعل ما تريد اليوم ) التي يرضى عنها السيد عبدالوهاب عبد الله ومن خلفه ومن حواليه فإن سنجد العجب العجاب. ونذكر هنا أن سعر الصفحة الواحدة من الإشهار العمومي (عادة ما تكون في شكل طلبات العروض التي تنشرها كل الإدارات العمومية باستمرار طيلة السنة)  يبلغ ما لا يقل عن 1500 دينار تونسي (دون احتساب الاداءات) ولكم أن تقوموا بعملية بسيطة عندما نعرف أن اليوميات والأسبوعيات التي كانت تتمتع بهذا الدعم تتلقى ما لا يقل عن ثلاث صفحات أسبوعية بالنسبة للأسبوعيات وصفحتين إلى ثلاث يوميا بالنسبة لليوميات. وهذا ما يعني منحة خالصة ب 4500 دينار أسبوعيا مثلا على مدى 52 أسبوعا وهذا يعني 78000 دينار سنويا بالنسبة للمحضوضين أصحاب الأسبوعيات , أما بالنسبة لليوميات وإن احتسبنا الحد الأدنى بصفحتين اثنتين على مدى 25 يوما في الشهر فقط  فهذا يعطينا ميزانية شهرية ب37500 دينار وميزانية سنوية ب450000 دينار أي بما يقارب نصف مليار من المليمات سنويا ليوميات نعرفها جميعا لا تتورع اليوم عن الحديث عن الثورة و(عاملة مولى الدار موش هوني ) كما يقول المثل الشعبي. ولكن المحاسبة لا بد أن تأتي اليوم أو غدا أو بعد غد لأن الإيجابي في الصحافة وجود أرشيف متكامل لكل النشريات الوطنية بمركز التوثيق الوطني ( نرجو أن لا يعمد أحدهم إلى إحراقه ؟)…

ولكن الملاحظة الثانية والتي تهمنا أيضا هنا تتعلق بالقارئ الذي لا يزال يشتري من العناوين ما يعرف أن تاريخه ملوث وأنه حبره لا يزال يقطر بما سبح به من حمد ل"صانع التغيير والعهد الجديد"…

المرفق العمومي السمعي البصري بين الحلم والواقع

كما أن المهنة مدعوة اليوم وقبل غيرها لأن الشأن الإعلامي شأن وطني يهم كل الفئات , مدعوة للتفكير بجدية كبيرة في مستقبل القطاع العام للإعلام السمعي البصري أو ما يصطلح عندنا على تسميته بالمرفق العمومي للإذاعة والتلفزة. ذلك أنه لا بد من القول أن الأداء الحالي للمرفق بصفة عامة ورغم اجتهاد عديد الزملاء من ذوي الخبرة أداء منقوص إن لم نقل سلبي في أحيان كثيرة  وهذا مرده أولا لغياب التجربة في الإعلام السياسي والتعددي وثانيا لنقص التأطير والمتابعة في الظرف الحالي.

والمرفق العمومي للإذاعة والتلفزة لا بد أن يكون محل جدل وبحث سياسي وإعلامي موسع للوصول إلى إقامة منظومة وطنية من شأنها ضمان حقوق المواطن دافع الضرائب وممول المرفق العمومي في إعلام شامل ومستقل  وعلى نفس المسافة من كل التوجهات السياسية والاختيارات المجتمعية وغيرها مع الحرص على نجاحه في أدواره التقليدية من حيث الإعلام والترفيه والتثقيف .

إن ما يبث حاليا وخاصة في التلفيزيون الوطني بقناتيه الأولى والثانية وفي بعض إذاعاته محل انتقاد واضح من قبل العديد من المتلقين سواء على مستوى المحتوى أو على مستوى الشكل أو حتى على مستوى ما يتبادر من ممارسة صحفية في تناول بعض الأخبار. كما أن النقد والانتقاد يطالان تغطية جهات حزبية دون أخرى و التركيز على جهات داخلية دون أخرى ويطالان غياب الجهد والعمل الميداني في مواضيع تبدو أحيانا ذات أهمية وخطورة تتجاوز مجرد التقرير الذي يصاغ انطلاقا من برقيات وكالة الأنباء الوطنية مع تركيب بضع صور …

من أجل نظام إعلام للمواطنة

إن إقامة إعلام عمومي مثالي لا يمكن إلا أن يكون ضمانة لكل الساحة الإعلامية بمختلف وسائلها ولذلك فأن الدعوة ملحة كي تتضافر جهود كل الأطراف من سلطة عمومية عبر الوزارة الأولى المكلفة بالملف اليوم إلى مجموع الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والمهنية ذات العلاقة لكي نجد الطريقة المثلى لبحث كل جوانب الإصلاح الضرورية والمثلى للأعلام العمومي السمعي البصري ولكن أيضا وكالة الأنباء الرسمية والإعلام الخارجي الذي نظل في حاجة إليه ولو بصفة مغايرة لما كان يفعل بن علي وجهازه…

وهذا النقاش العام الذي يمكن أن تنظمه نقابة الصحافيين بالاشتراك مع الأطراف المعنية من شأنه أن يدفعنا إلى التفكير في كل المنظومة الإعلامية الوطنية بما في ذلك الإشهار العمومي ونقل الصحف والآداءات الموظفة على وسائل الإعلام وتنظيم مهنة التوزيع اليومي للصحف حتى نتمكن من إقامة منظومة إعلامية جديدة على أسس ديمقراطية وتعددية واضحة تخرجنا من عصر إعلام النظام إلى عصر إعلام المواطنة .

علي العيدي بن منصور

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.