تونس- مساعي لرأب الصدع بين الأحزاب وتجاوز مخاطر انعدام الوفاق

يسعى عياض بن عاشور رئيس الهيئة العليا لتحقيق مبادئ الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي إلى تنظيم ندوة وطنية في الأيام المقبلة ستشارك فيها الأحزاب الممثلة داخل الهيئة وعددها 12 حزبا لبلورة ميثاق …



تونس- مساعي لرأب الصدع بين الأحزاب وتجاوز مخاطر انعدام الوفاق

 

يسعى عياض بن عاشور رئيس الهيئة العليا لتحقيق مبادئ الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي إلى تنظيم ندوة وطنية في الأيام المقبلة ستشارك فيها الأحزاب الممثلة داخل الهيئة وعددها 12 حزبا لبلورة ميثاق شرف يهدف إلى التزام كل الأطراف بالوفاق الوطني وتقليص المخاطر من أن تبرز انقسامات سياسية تهدّد الانتقال الديمقراطي في البلاد.

 

وتأتي هذه المساعي قبل أكثر من شهرين على بدء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، المقرّرة يوم 16 أكتوبر المقبل، وفي ظلّ انقسامات كبيرة بين الأطراف السياسية داخل الهيئة العليا لتحقيق مبادئ الثورة، التي أحدثت لتكون أحد الأطر التي تساعد على الانتقال الديمقراطي.

 

وانسحب من الهيئة كلّ من حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب الإصلاح والتنمية، كما جمّد الحزب الديمقراطي التقدمي عضويته فيها. وشهدت الهيئة انسحابات سابقة من قبل بعض الشخصيات الوطنية.

 

هذه الانسحابات شكلت طعنة كبيرة في مصداقية الهيئة العليا لتحقيق مبادئ الثورة، التي واجهت منذ إحداثها انتقادات كثيرة لعلّ أبرزها ضعف تمثيليتها للأحزاب السياسية، بما أنها لا تضمّ سوى 12 حزبا فيما يوجد على الساحة السياسية أكثر من مائة حزب.

 

ولا تضمّ الهيئة سوى عدد قليل جدّا من ممثلي المنظمات والجمعيات، بينما توجد في البلاد آلاف المنظمات والجمعيات. كما ينتقد البعض نقص تمثيلية الشباب في الهيئة، التي تضمّ 150 عضوا، ولا يحضرها في بعض الجلسات سوى 50 عضوا فقط !!!

 

وحاول مؤخرا عياض بن عاشور رئيس الهيئة البحث عن تسوية مع بعض الأحزاب المنسحبة وهي حركة النهضة والحزب الديمقراطي التقدمي، لكن مساعيه باءت بالفشل، لأن هذه الأحزاب انسحبت مقتنعة بأنّ الأجواء داخل الهيئة خالية من أي وفاق وأنّ هناك أطراف سياسية تسعى إلى سحب الرداء أكثر إليها ولا تبحث عن حل وسط.

 

ويقول نور الدين البحيري عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة عن انسحابها "نحن لم ننسحب من الهيئة لمطالب حزبية فئوية. لقد كنا ملتزمين داخل الهيئة بالوفاق، لكن عندما تأكد لدينا أن أطرافا تهيمن على الهيئة لتمرير برامجها وأجندتها باستغلال كثرتهم العددية دون الاكتراث بالوفاق قررنا الانسحاب".

 

وبسؤاله عن الأطراف السياسية التي يقصدها داخل الهيئة، أشار البحيري إلى التيار اليساري الحداثي، موجها أصابع الاتهام إلى حركة التجديد وجمعية النساء الديمقراطيات.

 

وانسحبت حركة النهضة من الهيئة قبل مناقشة مشروع قانون الأحزاب، وقد اعتبرت الحركة أن انسحابها يأتي نتيجة لانحراف الهيئة عن أهدافها الرئيسية من الاهتمام بكل ما يتعلق بالانتخابات إلى التركيز في قوانين تدخل في صلاحيات المجلس التأسيسي.

 

ويتساءل البحيري عن جدوى صياغة قوانين لها علاقة بالأحزاب والصحافة داخل الهيئة والحال أنها لا تمثل إلا جزءا بسيطا من الساحة السياسية، ويقول "الطرف المقابل يسعى لتمرير أجندته واستقوائه بالغلبة العددية التي لديه ويحاول تحويل هذه المؤسسة الاستشارية إلى مؤسسة منتخبة في عمل استباقي لصياغة مستقبل البلاد وهذه خطوة تهيئ لديكتاتورية جديدة".

 

وردّا على اتهامات البعض الموجهة إلى حركة النهضة بأنها خرقت الوفاق الوطني بانسحابها من الهيئة يقول البحيري "مسألة إظهار خروج أحد الأطراف من الهيئة كأنّه تمرد على الوفاق هو من نوع التهويل الذي يسعى الطرف المقابل لتسويقه لإعطاء الهيئة أكثر من حجمها ودورها".

 

ويؤكد البحيري أن مسألة الوفاق داخل الهيئة منعدمة، معتبرا أنّ الطرف السياسي المقابل (اليسار) لا يبحث عن إجماع حول المسائل المطروحة على طاولة النقاش، بل يستخدم كثرة ممثليه داخل الهيئة للتصويت لصالح  البرامج التي يحبذونها أو ضدّها.

 

علما أن أحد أبرز المطالب التي تقدمت بها حركة النهضة للقبول بعودتها إلى الهيئة هي تعزيز تركيبتها واعتماد قاعدة الوفاق أكثر من التصويت بالنظر إلى الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد والتي تتطلب إجماعا بين الأحزاب على التشريعات العامة للبلاد.

 

ومنذ إحداثها فشلت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة في أغلب مصادقاتها على مشاريع القوانين على اعتماد الوفاق وكان التصويت سيد الموقف بسبب كثرة الخلافات وغياب التوافق.

 

ورغم أنّ الهيئة نجحت في سن قانون الانتخابات وقامت بانتخاب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي ستشرف على الانتخابات المقبلة، إلا أنها تعثرت في المصادقة على مشروع قانون الأحزاب بسبب الجدل القائم حول مصادر تمويل الأحزاب.

 

وأدى هذا الجدل إلى تعليق عضوية الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي احتج على مصادقة أعضاء الهيئة مؤخرا على مشروع قانون الأحزاب دون الأخذ بعين الاعتبار مقترح تقدم به "التقدمي" ويسمح بتمويل الأحزاب من الذوات المعنوية (مؤسسات عمومية وخاصة).

 

واتصل عياض بن عاشور بالحزب الديمقراطي التقدمي بعد انسحابه من جلسة التصويت على قانون الأحزاب وتهديده بالانسحاب كليا من الهيئة وطلب بن عاشور من ممثلي الحزب العودة إلى الهيئة حتى لا تتوسع دائرة الانسحابات والبحث عن تسوية داخل لجنة مصغرة في الهيئة.

 

ولكن رغم قبول الحزب الديمقراطي التقدمي بالعودة إلى الهيئة وتعديل المقترح الذي تقدم به (تسقيف تمويل المؤسسات الخاصة للأحزاب بـ 60 ألف دينار…)، إلا أنّ هناك بعض الأحزاب اليسارية الصغيرة رفضت مقترح الحزب الديمقراطي التقدمي بسبب مخاوفها من احتمال وقوع عمليات تبييض أموال أو تلوث الساحة السياسية بالمال الفاسد أو لإقتناعها بأنها لن تحصل على شيء من تلك التبرعات. وبقي إلى حدّ الساعة قانون الأحزاب معلقا دون مصادقة.

 

ويقول عصام الشابي عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي "هناك بعض الأطرف بصدد تقويض الوفاق ولا تبحث عن تسوية"، مشيرا إلى الحزب الاشتراكي اليساري وبعض المستقلين، "الذين ليهم خلفية يسارية ودخلوا الهيئة تحت غطاء منظمات وجمعيات" .

 

ويضيف "التوافق يقتضي أن يتنازل كل طرف ويبحث عن منتصف الطريق مع الآخر. لقد قبلنا بالتعديلات المدرجة على مقترحنا بشأن تمويل الأحزاب وذلك للوصول إلى تسوية، لكن الطرف المقابل يرفض مقترحنا بالكامل".

 

وفي ظل الانقسامات الحاصلة داخل أو حتى خارج الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة تظهر مساعي جديدة للم شمل الأحزاب، لكن المخاوف تبقى بارزة في صورة توسع رقعة الخلافات السياسية بين الفرقاء السياسيين وانعدام التوافق بينهم بشكل لا يخدم الاستقرار السياسي خصوصا مع استمرار الوضع الأمني الهش.

 

خميس بن بريك

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.