انتقال تونسي سلس ومصري متعثر !!‏!‏

انتهت المرحلة الانتقالية في تونس مع انتخابات 23 أكتوبر الماضي‏,‏ والتي فاز فيها حزب النهضة الإسلامي وتحالفه ‏(‏تحالف 23 أكتوبر‏)..‏ الذي وجد ردود فعل مختلفة ومتوجسة رغم وعوده وخطابه المطمئن حتي حينه‏، مع سمات تونسية خاصة تميز بها انتقاله …



انتقال تونسي سلس ومصري متعثر !!‏!‏

 

نقلا عن الأهرام المصرية ورد المقال التالي بقلم الصحافي هاني نسيرة :

انتهت المرحلة الانتقالية في تونس مع انتخابات 23 أكتوبر الماضي‏,‏ والتي فاز فيها حزب النهضة الإسلامي وتحالفه ‏(‏تحالف 23 أكتوبر‏)..‏ الذي وجد ردود فعل مختلفة ومتوجسة رغم وعوده وخطابه المطمئن حتي حينه‏، مع سمات تونسية خاصة تميز بها انتقاله عن رديفه المتعثر مصريا!! يأتي في مقدمتها غياب المشاكل الطائفية أو القبائلية وقلة عدد التيارات الأصولية المتصلبة وعدم فاعليتها, بينما تنشط مصريا مختلف أطيافها, تتحفظ علي أي ضمانات لدولة مدنية أو تسبح بنا في سراديب السجال الذي لاينتج فعلا في كل اتجاه, ظل الخلاف حول قانون الانتخابات في مصر بينما كان محل توافق في تونس, وبينما نجحت الثانية في التصديق علي العهد الجمهوري الذي يمثل مباديء فوق دستورية للدولة التونسية تبدو الحالة المصرية متعثرة ومتشطبة لاتسمع لغير تحزباتها وحساباتها ماقبل الانتخابات وما بعد الثورة!!

قبلت النهضة قانون الانتخابات التونسي وفازت رغم أنها اضطرها للقبول بقاعدة التناصف التي تجعل للمرأة نصف المقاعد علي قوائمها, لم تمانع في ترشيح ناشطات حقوقيات لايرتدين الحجاب، كما قبلت النهضة والغنوشي بالعهد الجمهوري رغم الاعتراضات الأولي عليه, كضمانات للدولة المدنية مباديء حاكمة للدستور بينما في مصر يبدو الأمر مختلفا, فكل حزب بما لديهم فرحون, وكأن مادعت إليه الثورة وما وعد به الإخوان المعترضون علي هذه المباديء بعد نجاحها بقليل من تطمينات بالقبول بضمانات لغيرها ذهبت أدراج الريح! ولكن حين أتي العهد وبرز المنافس السلفي ازدادوا تنافسا وصارت المزايدة علي الشعبوية دون المدنية!

أما السلفيون فمن البداية رغم انخراطهم السياسي الذي أتاحته الثورة لهم وتعترف به برامجهم الحزبية, وقفوا عند ثوابتهم النظرية المتصلبة, فرفضوا أي نص علي مدنية الدولة أو القبول بمباديء ضامنة لها أو حتي قبولها! من هنا رفض جميعهم القبول بدعوة الدكتور علي السلمي في 30 أكتوبر والتي انعقدت في 1 نوفمبر الماضي, وأعلنوا هذا الرفض لهذه الدعوة التي تأخرت ربما بسبب مرض صاحبها أو السجالات والمشكلات التي لاتنتهي بدءا من الطائفية الصاعدة إلي الفلول والمحاكمات ورد القضاة حتي المظاهرات الفئوية!

تضمنت وثيقة العهد الجمهوري التونسي ذات السبعة بنود ــ ضمانات لم يضمنها أحد لنا, بل مرفوض الإدلاء بها لدي البعض, علي ديمقراطية الدولة التونسية حيث تنص علي أن تونس دولة ديمقراطية, حرة مستقلة, ذات سيادة, الاسلام دينها, والعربية لغتها, والجمهورية نظامها وأن هوية الشعب التونسي عربية, اسلامية, متفاعلة تفاعلا خلاقا مع قيم الحداثة والتقدم.

ونصت الوثيقة علي حماية مكاسب المرأة التي نصت عليها مجلة الاحوال الشخصية ومجمل النصوص التشريعية وتطويرها بتكريس المساواة الكاملة بين الجنسين وفقا للمواثيق والمعاهدات الدولية، هذا بينما خلت قوائم انتخابية مصرية أسفا من أي قبطي أو امرأة!

واكد العهد الجمهوري ايضا علي ضرورة حماية الاستقلال الوطني والوقوف ضد الهيمنة, ومع حق الشعوب في تقرير المصير ومقاومة الاحتلال, وتعميق الوعي بالمصير العربي المشترك, والتفاعل المتكافيء مع المحيط العربي المشترك, والافريقي والمتوسطي والدولي, ومناصرة كل القضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

هل لدي الإرادة السياسية المصرية الحاكمة القدرة علي إنفاذ ما أنفذته الهيئة العليا لتحقيق الثورة التونسية ولينسحب من ينحسب فضمان الدولة المدنية لصالح الجميع حتي من تنسحبوا! وهكذا كان صالح حزب النهضة الاسلامي وتكتله (23 أكتوبر).

في ضمان مدنية الدولة نجحت قوي الثورة في تونس وهيئة تحقيق أهدافها, كما نجحت في إصدار القوانين الضرورية والناظمة للانتقال السياسي والديمقراطي, كقانون الانتخابات الذي صدر في أبريل الماضي (قبل الانتخابات بشهور) بينما لم يصدر قانون الانتخابات المصري إلا قبل فتح باب الترشح بأيام بعد أن جري له تعديلان في شهر واحد, ولازال محل خلاف.. كما لم يصدر قانون السلطة القضائية واستقلال القضاء, خاصة في ظل اتهامات كبيرة لـ600 قاض مصري في انتخابات 2010 بتزويرها بإيعاز من السلطة التنفيذية والتفتيش القضائي, وقد قاضي القضاة المصري (رئيس محكمة النقض) أسماءهم للمجلس العسكري لاستبعادهم ولكن لم يحدث شيء!

فهم التونسيون ــ ما لم يفهمه المصريون ــ ثوار وكومة وشعبا ما تحتاجه المرحلة الانتقالية بإنشاء الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة كاستجابة مؤسساتية لضرورة إحداث إطار يلتقي فيه التونسيون علي اختلاف مشاربهم ورؤاهم الفكرية والسياسية ليؤمنوا لتونس الانتقال من الاستبداد إلي الحرية والديمقراطية, كما قال الرئيس المؤقت فؤاد المبزع في الاحتفال بانتهاء أعمالها في 13 أكتوبر الماضي, كانت الثورة والنهضة أغلي عندهم جميعا من حساباتهم الأيديولوجية والانتخابية.. فهل تفهم ثورة مصر! أم أنها حداثة الإسلاميين التونسيين وقدرتهم علي التعاطي مع العصر أكثر كثيرا من اسلاميي مصر! أم أنها استراتيجية التوافق التونسية الغائبة عن سجالية وتحزبية مصرية زاعقة واتهامية بين كل الأطراف وفي كل الفضاءات…

 

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.