بسبب الضرب تحت الحزام وأشياء أخرى: الواقعية السياسية تفرض على النهضة وشركائها تشكيلة الحكومة

رغم كل ما راج من الاتفاق النهائي حول الرئاسات الثلاث، فإن الشيء الوحيد المتفق عليه بالإجماع بين النهضة والتكتل والمؤتمر حتى بعد زوال الاثنين، هو عدم الإدلاء بأية تصريحات رسمية حول …



بسبب الضرب تحت الحزام وأشياء أخرى: الواقعية السياسية تفرض على النهضة وشركائها تشكيلة الحكومة

 

رغم كل ما راج من الاتفاق النهائي حول الرئاسات الثلاث، فإن الشيء الوحيد المتفق عليه بالإجماع بين النهضة والتكتل والمؤتمر حتى بعد زوال الاثنين، هو عدم الإدلاء بأية تصريحات رسمية حول تطور المفاوضات، والاكتفاء بالقول إنها تتقدم فقط.

في الأثناء، ثمة معطيات مؤكدة، ولا ينكرها أحد بصدد التسرب منذ أيام، وهي أن الخلاف الجوهري بين الشركاء الثلاثة يبدأ من أحد أهم وأخطر الحقائب الوزارية تقليديا في العالم العربي وهي وزارة الداخلية. وحتى منتصف نهار الاثنين، لم يكن مصير هذه الوزارة قد تحدد بعد، وتفيد مصادر مطلعة في التكتل، أن النهضة لم تتمسك بوزارة الداخلية رغبة منها في احتكارها لأحد مناضليها، بل خوفا على الحكومة المرتقبة من إرسال أحد مناضلي المؤتمر من أجل الجمهورية إلى إطارات الداخلية الذين ينظرون بتوجس كبير إلى تطورات الوضع. ويفيد مصدرنا أن حركة النهضة قد قامت منذ بعضة أسابيع عبر عدة وساطات قوية بجس نبض إطارات وزارة الداخلية واكتشفت أن إرسال "مناضل صعب المراس" إلى الوزارة رافعا شعار تطهير جهاز الأمن سوف تكون له نتائج دونكيشوتية وكارثية على الوضع الحالي. ويضيف نفس المصدر، أنه تبعا للسياسة الواقعية التي تنتهجها قيادة النهضة في تكوين الحكومة، فإن السيد محمد عبو، أحد أشهر ضحايا نظام بن علي، لم ينجح في إرسال إشارات إيجابية إلى إطارات وزارة الداخلية، ولذلك بدا تعيينه على رأسها في مثل هذه الظروف أشبه بحلم ساذج وغير واقعي. وتشير مصادر أخرى إلى تصريح السيد عبد الحميد الجراي الكاتب العام لنقابة قوات الأمن الداخلي إلى إحدى الصحف الأسبوعية، والذي يبدو مثل تحذير للفائزين: "الإضراب يبقى مطروحا وسيتقرر اللجوء إليه من عدمه على ضوء ما ستفرزه جلسات التأسيسي ومدى استجابتها لمطالب أعوان الأمن".

وبذلك، فإن النهضة جنحت منذ أيام إلى "حل واقعي" انتقالي يقوم على البحث عن شخصية تنجح في تحقيق انتقال مرن في وزارة الداخلية.

وبعد وزارة الداخلية، تأتي، ترتيبا عدة وزارات أخرى تمثل خلافا بين شركاء المجلس الثلاثة، وخصوصا وزارة العدل، التي بالنظر إلى إصرار الجميع على توليها، فقد اتضح أن الأفضل هو أن يتولاها طرف محايد، أو على الأقل، له حياد ظاهري ويحقق حدا أدنى من الإجماع، أو بالأحرى "حفظ ماء وجه الحكومة" في مواجهة الملفات الثقيلة التي سوف تواجهها كل ما تم طرح مسألة القضاء بعد الثورة. ويجب أن نذكر هنا أن أهم ملف مفتوح في وزارة العدل هو "تطهير القضاء"، وفصله عن بقية السلطات، لكن المرور إليه لا يمكن أن يكون على حساب "جمهور القضاة"، في ظل وجود جمعيتين يتنافسان على نيل ود زملائهم. وبدرجة أقل حساسية من الداخلية، فإن وضع وزارة العدل أيضا يتطلب شخصية تحقق حدا أدنى من التوافق في الوزارة، ليس لدى القضاة فقط، بل خصوصا لدى جمهور المحامين الذي يضم أكبر نسبة من المسيسين والزعامات السياسية والنضالية، حتى أن كثيرين رأوا في عميد المحامين عبد الرزاق الكيلاني شخصية محورية يمكن أن تضمن انتقالا هادئا ومتفقا عليه بين مختلف التيارات، لكن مصدرا مطلعا في حركة النهضة لا يؤكد هذا الخيار، ويقول إنه ما يزال يحتاج إلى جهود لإقناع بقية شركاء المجلس.

وخلاصة القول، هو إن حركة النهضة تبدو في مثل هذا المشهد أكثر "واقعية سياسية" من شركائها وحتى العديد من خصومها، وأقل تمسكا بالمناصب في هذه المرحلة التي سوف تحتاج فيها إلى "تقاسم الضرب تحت الحزام قبل تقاسم غنائم الانتصار في الانتخابات" وفق مقولة أحد نوابها في المجلس. ويضيف مناضل عريق من المؤتمر بالتأكيد على أن النهضة تعرف أن الحكومة سوف تواجه أسابيع عصيبة وشديدة التوتر والاحتقان في البلاد، لذلك، تهتم قيادتها بالتوافق السياسي أكثر من أي شيء آخر مثل تحقيق المطالب المعلنة في الثورة مثلا. ويكشف مصدرنا في المؤتمر أن ما يخيف العديد من إطارات حزبه والتكتل لدى النهضة هو تمسك بعض قياداتها بوزارات غير مهمة سياسيا، لكنها خطيرة على المدى المتوسط اجتماعيا مثل التربية والتعليم العالي، خصوصا إذا حظي بها صقور النهضة في ظل تواتر الأنباء عن تضييقات خطيرة على حريات التعبير والقيم المدنية في المعاهد والجامعات واعتداءات على أساتذة يتم تصنيفهم أخلاقيا حسب لباسهم أو أفكارهم.

في الأثناء، لا تخفي التسريبات المتواترة عن نقاشات الشركاء الثلاثة استعدادات المعارضة لتصيد أخطاء النهضة، وفي هذا المجال، يمكن أن نختار مقولة أحد زعماء اليسار التونسي في تعليق على تطورات تكوين الحكومة: "لا ترهق نفسك في قتال خصمك، خصوصا إذا كان يحظى بشرعية الانتخابات، بل انتظر جثته على حافة النهر، بالنظر إلى ما يحدث من إضرابات وتعطيل للخدمة، هل رأيتم ما حدث في قابس منتصف نهار الاثنين ؟ هل رأيتم كيف يتودد السيد حمادي الجبالي إلى عبد السلام جراد لتفادي الأسوأ ؟".

البعض يحب أن تعبر ما يحدث هذه الأيام من تواتر الإضرابات هو مجرد مقدمة للواقعية السياسية التي تفكر فيها النهضة وهي تستعد لتقديم التشكيلة الحكومية يوم الثلاثاء أمام نواب المجلس التأسيسي، حتى لا تأكل الضرب تحت الحزام وحدها.

 

يوسف خليل

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.