تونس- الإنتاجية في أدنى مستوياتها بسبب الاعتصامات الاحتجاجات

في الوقت الذي اعتقدنا فيه أن الأوضاع في تونس بدأت نسبيا تتحسن وتتعافى وأن الاقتصاد الوطني بدأ هو كذلك يتماسك بعد التطمينات التي وجدها رجال الأعمال التونسيين والأجانب من حيث الحرص على تحسين مناخ الأعمال 0…



تونس- الإنتاجية في أدنى مستوياتها بسبب الاعتصامات الاحتجاجات

 

في الوقت الذي اعتقدنا فيه أن الأوضاع في تونس بدأت نسبيا تتحسن وتتعافى وأن الاقتصاد الوطني بدأ هو كذلك يتماسك بعد التطمينات التي وجدها رجال الأعمال التونسيين والأجانب من حيث الحرص على تحسين مناخ الأعمال والإسراع في اتخاذ التدابير العاجلة حتى تعود الآلة الاقتصادية في تونس إلى سالف نشاطها بما من شأنه أن يؤثر إيجابيا على استحثاث نسق الاستثمار والقدرة على توفير مواطن الشغل الجديدة، ها أن الأوضاع تتعكّر من جديد على خلفية تسارع وتيرة الاعتصامات والاحتجاجات المطالبة ببعض المطالب الاجتماعية القابلة للحوار والتأجيل.

عند التمعّن مليا في مطالب المحتجين نراها معقولة من منطلق أنها مرتبطة بمقوم أساسي قامت عليه الثورة وهو توفير الشغل وأكبر دليل على ذلك الأحداث التي حصلت في الأسبوع الفارط في قفصة والقصرين الأمر الذي أعادنا إلى نقطة الصفر أو البداية من خلال فرض حظر التجول من جديد.

ما يخفى على أذهان العديد أن مثل هذه الأحداث وتتالي الاعتصامات والاحتجاجات بصفة عشوائية لها عواقب وخيمة على الاقتصاد التونسي  وعلى الحركة التجارية إلى حين أصبحنا نتحدث عن خسائر بأكثر من 6 آلاف مليون دينار أي حوالي ربع ميزانية الدولة فضلا عن إمكانية تفاقم البطالة وهو ما قد يزيد الطين بلّة.

  
ومن تداعيات هذه الأزمة التخفيض من الترقيم السيادي لتونس من طرف المؤسسات المالية الدولية والتراجع الهائل للقطاع السياحي والميادين المرتبطة والتي توفر لوحدها زهاء 800 ألف موطن شغل مباشر وغير مباشر .

والمتابع لوتيرة الأحداث الأخيرة والتي اتسمت باتساع رقع الاحتجاجات والاعتصامات في قطاعات حساسة وإستراتيجية على غرار الفسفاط ومشتقاته والبترول والغاز والتهديد بإضرابات في قطاعات تتصل بالخدمات الأساسية للمواطن مثل النقل العمومي والبريد والسكك الحديدية كلها لها تأثير مباشر على النشاط الاقتصادي للبلاد.

ومن المنتظر أن ينتكس بفعلها الاقتصاد ويعرف اختناقا كبيرا قد يؤثر عليه سلبا على مستوى عجز الميزانية التي قد تشهد لأول مرّة عجزا برقمين ستكون عواقبه وخيمة على نسق النمو الاقتصادي فحسب الإسقاطات الأولية لن تتعدى نسبة النمو لهذه السنة 0% في أفضل الحالات وأحسن السيناريوهات.

 نشير في ذات السياق إلى أنّ النشاط الاستثماري وعلى خلفية الأوضاع السائدة سيتعطّل حتما في ظلّ الضبابية السائدة وغياب واضح وصريح لهياكل الإحاطة والمساندة للأخذ بيد المستثمرين وتوجيههم.

وفي هذا الإطار تذمّر العديد من المستثمرين الأجانب المنتصبين في تونس من ظاهرة تواضع الإنتاجية في مؤسساتهم واستفحال ظاهرة التغيب عن العمل بالرغم من استجابتهم للمطالب الاجتماعية للعمال وكان ذلك خلال لقاء نظمته منظمة الأعراف يوم الخميس الفارط جمعها بالعديد من أصحاب المؤسسات الأجنبية العاملين في تونس والذين أطلقوا صيحة فزع حول موضوع تراجع الإنتاجية وما لذلك من عواقب وخيمة على تنافسية تونس.

 

ضمن هذا السياق قد يتغافل البعض عن مؤشر صارخ وقوي على مدى تعطل سير النشاط الاقتصادي بالشكل الطبيعي والاعتيادي، يتمثل في وصول الإنتاجية إلى أدنى مستوياتها منذ منتصف جانفي الماضي إلى الآن، إذ أنّ أحداث الشغب وتواصل المظاهرات في مقرات المؤسسات العمومية ووحدات الإنتاج عطّلت بشكل ملموس آلة الإنتاج والتوزيع وأعاقتها على غرار ما هو حاصل في مصانع المجمع الكيميائي بقفصة وقابس وتعطل دواليب شركة فسفاط قفصة إذ أن الخسائر تصل يوميا إلى مليوني دينار وعدم توظيف ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية لمادة الفسفاط فضلا عن إمكانية خسارة بعض حرفاء تونس في هذا المجال.

  المعلوم أن ارتفاع الإنتاجية تعتبر مؤشرا إيجابيا على صحة الاقتصاد وتماسكه ودافعا كافيا لتلبية المتطلبات على أصعدة التشغيل والتصدير وبقدر ما ترتفع الإنتاجية بقدر ما يكتسب الاقتصاد عافيته وقدرته على الصمود.

 وفي حال الواقع التونسي فإن الإنتاجية ظلت في المدة الأخيرة متدنية ولم ترتق إلى المستويات العالمية، ولو أننا نقرّ بعدم وجود هيكل حاليا قادر على قيس الإنتاجية بطرق علمية غير أن ما نلاحظه ونلمسه على أرض الواقع يؤكّد بما لا يدع مجالا للشكّ أنّ الإنتاجية في أتعس أحوالها ومؤشر على أن الاقتصاد التونسي يختنق ومن الصعب أن يخرج من هذا الوضع الغامض .

 
التحليل الموضوعي للوضع الذي يبدو للبعض متشائما يفرض نفسه بإلحاح لإظهار عديد المسائل غير المطمئنة وإنارة المواطنين المتغافلين عن هذه المعطيات والحقائق التي ستعود على المجموعة الوطنية بالوبال وسنضطر إلى دفع الفاتورة باهظا، فعوض حلّ معضلة البطالة لنحو 700 ألف عاطل عن العمل سيضطر البلد إلى مجابهة بطالة قد تفوق المليون لترتفع بالتالي نسبة البطالة إلى أكثر من 24% بعد أن كانت في السنة الماضية في حدود 13% لتتضاعف المشاكل الاجتماعية بطريقة يصعب حلها.

 

مهديالزغلامي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.