هل تنكّرت ليبيا لجميل تونس؟

تطورات خطيرة تشهدها الحدود التونسية الليبية في المدة الأخيرة وقد تلقي بضلالها على العلاقات بين البلدين برمتها في قادم الأيام وقد تعطي أيضا منعرجا آخر في مستقبل العلاقات السياسية والاقتصادية…



هل تنكّرت ليبيا لجميل تونس؟

 

تطورات خطيرة تشهدها الحدود التونسية الليبية في المدة الأخيرة وقد تلقي بضلالها على العلاقات بين البلدين برمتها في قادم الأيام وقد تعطي أيضا منعرجا آخر في مستقبل العلاقات السياسية والاقتصادية.

مردّ طرحنا لهذه المسألة ما يقوم به البعض من الثوار الليبيين من تجاوزات وانتهاكات لحرمة لتراب التونسي لم يعد بالإمكان السكوت عنها أو التجاهل بشأنها وكشفها للرأي العام في البلاد وانه حان الوقت للتحرك واستعمال وسائل الضغط.

منذ الإطاحة بالعقيد معمر القذافي وعائلته وتحرير ليبيا التي استلهمت ثورتها من تونس، اعتقد التونسيون أن الأوضاع سوف تتحسن وترتقي إلى أفضل المستويات وسيكون لهم شأن كبير في وطنهم الثاني ليبيا غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن من خلال تعكر الأوضاع وكثرة الصعوبات التي وجدها التونسيون في التأقلم مع الوضع الجديد عبر الاستفزازات المتواصلة والمتكررة من "ألشقاء الليبيين".

لقد عمد الثوار الليبيون في الفترة الأخيرة إلى القيام بممارسات ومعاملات تبعث حقا على الاستغراب والحيرة عن أسباب تغير تصرفهم وإساءتهم للتونسيين العائدين إلى ليبيا وخاصة ما يأتون به من ممارسات وتصرفات غريبة على الحدود.

 

والمتابع لوقائع الأحداث خاصة الأيام الفارطة يلاحظ بالتأكيد  تصاعد وتيرة الاستفزازات من الجانب الليبي أو لنكون دقيقين من فئة من الثوار الذين يبدو أنهم لا يزالون ثائرين، فقد عمدوا إلى نهب وسرقة التجار التونسيين إلى حدّ تعنيفهم ماديا ومعنويا وإساءة معاملتهم.

 

مسألة أخرى جديرة بالمتابعة والاهتمام تتمثل في صعوبة اندماج التونسيين العائدين إلى ليبيا بعد ثورة 17 فيفري 2011 من خلال تغير معاملتهم وتؤكد حادثة طائرة الخطوط التونسية وبقاءها لأكثر من 6 ساعات في مطار معيتيقة بطرابلس جرّاء تصرّف وسلوك غير مفهومين بالمرة الأمر الذي أدى إلى تعليق الخطوط التونسية رحلاتها باتجاه طرابلس إلى أجل غير مُسمّى.

 

أما الطامة الكبرى فتتمثل في التصرفات العشوائية من القوات غير النظامية الليبية التي تتحكم في المعبر الحدودي رأس جدير وتعمدها في العديد من المناسبات إطلاق النار على التراب التونسي منتهكة بالتالي حرمة الوطن وأراضيه ضاربين عرض الحائط بكل المواثيق الدولية والوطنية.

 

ويكاد يكون إطلاق النار في هذه المنطقة يوميا وسط تهديدات بالدخول إلى التراب التونسي بالسلاح مما دفع السلطات الأمنية التونسية إلى إغلاق المعبر إلى حين إيجاد حلّ لمثل هذه الأعمال.

 

كل هذه الوقائع تؤكد بما لا يدع مجالا للشكّ أن الوضع الأمني في ليبيا غير مطمئن وتبعث عل الانشغال والتعجب في ضخم الانتشار الواسع وتواجد كم هائل من السلاح بجميع أنواعه وأصنافه في أيدي قوات غير نظامية وهناك حديث عن مسك العديد من الشبان والأطفال الليبيين للسلاح والقيام بواسطته بعمليات نهب وسرقة المواطنين.

 

إن هذه الأوضاع المتردية ستحيلنا حتما إلى التأثير على مستقبل العلاقات التونسية الليبية من الجوانب الدبلوماسية والسياسية في ظل السكوت والصمت المطبقين. الثابت والمتأكد أن الحكومة التونسية الجديدة التي لم تر النور إلى حدّ الآن في ظل الجدال السياسية العقيم الحاصل، مُطالبة حال تشكيلها وفي أسرع وقت ممكن بتطويق الإشكال والاتصال رسميا بالحكومة الليبية للتباحث بشأن مصير التونسيين في ليبيا وتركيز قوات نظامية تتمتع بالكفاءة وحسن التواصل لتسهيل مرور الأشخاص وانسياب السلع بشكل عادي.

 

أما الحكومة الليبية مطالبة من جانبها بردّ الجميل للشعب التونسي الذي وقف إلى جانبها بشهادة العالم بأسره وأكبر دليل على ذلك ن تونس ورغم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتواضعة توفقت إلى تغذية الليبيين ومداواتهم والأرقام والمؤشرات أكبر دليل على ذلك.

 

شتّان بين الوعود من الجانب الليبي بإعطاء الأولوية للتونسيين في أغلب المعاملات الاقتصادية والتشغيل، والواقع المعاش الجديد والمعاناة التي يلقاه العديد من التونسيين.

 

 في هذا الصدد أشار المبروك السايق عضو هيئة التدريس في جامعة الجبل الغربي في مقال نشر بصحيفة الوطن الليبية بعنوان "اتقي شر من احسنت اليه" ان "الأخوة التونسيين في كافة الجمهورية التونسية اذهلوا بما قدموه لليبيين أثناء ثورة 17 فبراير ، عندما كان الليبيون في أمس الحاجة إلي العون و المساعدة ، في ذلك الوقت العصيب الذي كان فيه القذافي يصب حمم غضبه على رؤوسنا و يوقد النار تحت أرجلنا حتى أحال البلاد إلي سعير يتلضي ( نار حمرا – كما قال هو ) لا مكان فيها يمكن اللجوء إليه حين إذ فتح الأخوة التوانسة قلوبهم قبل بيوتهم فقابلوا النازحين من الليبيين بالإبتسامة و التهليل و التشجيع و قدموا لهم البيوت مجاناً و الأكل و الملبس و لم يتركوا شيئا إلا و قد قدموه حتى الدواء و الوقود ، و تحملوا كامل المسؤلية بشجاعة في تلك الآونة .

و لكن ما يحدث الآن من زوارة و نالوت في كلاً من بوابة راس أجدير و معبر وزان الحدودي في الآونة الأخيرة يحز في نفوس الليبيين الأحرار الشرفاء ، وليس مقبولاً على الإطلاق .

فهذه التصرفات لا تدل إلا على ضيق الأفق و الرعونة و تجلب العار لمرتكبيها لآن ابناء ليبيا لا يمكن أن يفوا الاخوة في تونس حقهم مهما فعلوا و نحن لسنا ناكرين للجميل ، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان .

من اجل ذلك فعلى الجهات المسئولة في الحكومة الليبية أن تضع حداً لهذه الأحداث في أسرع وقت ممكن ، فهذه المعابر هي بين دول و تمر منها كل الجنسيات ، ولا يجب علينا تركها للمزاجية و التصرفات الغير محسوبة و التي تسئ لليبيين كلهم و خصوصاً مع الشقيقة تونس".

 

مهدي الزغلامي

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.