علي العريض في وزارة الداخلية.. رقص فوق رؤوس الثعابين

هناك حالة من الفضول تتملك شق كبير من الشارع التونسي لمتابعة الملامح الأولى لأداء وزارة الداخلية برئاسة الوزير القادم من حركة النهضة والنزيل السابق بسجون الوزارة علي العريض…



علي العريض في وزارة الداخلية.. رقص فوق رؤوس الثعابين

 

هناك حالة من الفضول تتملك شق كبير من الشارع التونسي لمتابعة الملامح الأولى لأداء وزارة الداخلية برئاسة الوزير القادم من حركة النهضة والنزيل السابق بسجون الوزارة علي العريض.

ولا يزال المحللون في تونس يعتبرون تنصيب علي العريض، خريج المدرسة البحرية للتجارة، إحدى أكثر العلامات الفارقة التي رافقت التحولات السياسية العميقة في البلاد.

فمن سخرية الأقدار أن يتحوّل المضطهدون السابقون من زنازين وزارة الداخلية مرهوبة الجانب زمن حكم بن علي إلى المناصب الرئيسية في السلطة.

وحتى وقت قريب بعد الثورة كان علي العريض، إلى جانب الكثير من الحقوقيين وأطياف المعارضة، من بين الصفوف الأولى لمنتقدي أداء المؤسسة الأمنية. لكن الحال اليوم يختلف، وأكثر ما يخشاه المتوجسون أن لا يتجاوز هذا التحول الدرامي في قيادة المؤسسة الأمنية مجرد تبادل مراكز.

ويعرف رجال السياسة جيدا أن الجلوس أمام مقاليد السلطة لا يمكن أن يتفق بأي حال مع ما كان يلعبه النشطاء والحقوقيون من أدوار في صفوف المعارضة.

ولكن في نفس الوقت لا أحد يمكن أن يبخس العريض سجله النضالي في صفوف حركة النهضة ضد ديكتاتورية الحزب الواحد زمن بورقيبة وبن علي.

وعرف علي العريض بسنوات التوقيف والسجن والتعذيب النفسي والجسدي في قبو وزارة الداخلية التي كانت ترمز إلى الرعب والقمع والاستبداد في عهد نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي .

ويقول وزير الداخلية الجديد "شارفت على الموت عدة مرات في زنازين وزارة الداخلية لكني أفرق بين تلك الفترة والفترة الحالية. الثورة جاءت من أجل التقدم وإرساء عدالة انتقالية وليس الإنتقام".

سجل لافت لسجين سياسي

ورأس العريض مجلس شورى الحركة من 1982 إلى 1986 إثر سجن القيادات التاريخية للحركة الإسلامية في تونس وبينهم راشد الغنوشي .

وتولى صحبة رئيس الحكومة الحالي حمادي الجبالي إدارة قيادة الحركة الداخلية وتوثيق العلاقة مع الوسط السياسي في أجواء من الملاحقة الأمنية الشديدة بين محاكمة القيادة في 1981 والانفراج السياسي في 1984 .

وحكم عليه بالإعدام في 1987 ضمن عدد من قياديي الحركة قبل أن يصدر بن علي بعد إطاحته بالرئيس الحبيب بورقيبة في العام ذاته، عفوا عن زعماء الحركة الإسلامية في 1988 .

وشغل منصب عضو المكتب التنفيذي للحركة ورأس المكتب السياسي في 1988 حتى تاريخ اعتقاله في نهاية 1990 .

وجاء اعتقاله في سياق حملة نظام بن علي على النهضة إثر الانتخابات التشريعية لعام 1989 التي حصل فيها الاسلاميون على نحو 17 بالمئة بحسب نتائج رسمية والتي أصبحت على إثرها النهضة العدو الأول للنظام الذي جعل من "الخطر الإسلامي" فزاعة والتصدي له أداة لتثبيت وجوده خصوصا لدى الغرب .

وقد حكم على علي العريض بالسجن 15 عاما منها 13 عاما في الحبس الانفرادي .

مهمة دقيقة

وفور انتخابه في المجلس الوطني التأسيسي قال العريض لوكالة فرانس برس إنه "يريد تقوية العلاقات مع أبرز شركاء تونس الاقتصاديين الغربيين مثل فرنسا والولايات المتحدة" .

ولكن الآن وبعد تعيينه على رأس وزارة الداخلية فإنه يتعين عليه أولا تأمين مطلب ملح لشركائه السياسيين ولرجال الأعمال والاقتصاد بضمان الأمن والاستقرار لدفع عجلة الاقتصاد وتعزيز الاستثمارات الداخلية والخارجية.

وكان العريض قد نبه مؤخرا إلى أن الوزارة لن تتساهل في تطبيق القوانين ضدّ كل اللذين يهددون أمن التونسيين ويعطلونهم على السير إلى أعمالهم.

والى جانب تلك المهمة الأساسية فإن علي العريض لن يكون في منصبه بمنأى عن انتقادات المعارضة التي التزمت بمهمتها الرقابية على أداء الحكومة.

ولا تخفي وسائل الإعلام الآن ما يثيره عدد من السياسيين المحسوبين على اليسار من أسئلة حول وزير الداخلية الجديد وعلى رأسها ما إذا كان استلام العريض لخطته على رأس أخطر وزارة على حساب صمت الأغلبية الحاكمة عن أكثر الملفات إثارة للجدل في فترة الانتقال الديمقراطي والعدالة الانتقالية التي ينادي بها التونسيون.

ويتعلق الأمر أساسا بملفات التعذيب والتنصت والبوليس السياسي وغيرها من الملفات التي أساءت لعدد كبير من التونسيين وتخفي تورط أطراف عديدة بوزارة الداخلية.

الإجابة عن السؤال يبدو سابقا لأوانه الآن. لكن الثابت أن مهمة الوزير الجديد ستكون دقيقة.

ومع اعتقاد الكثير من أنصار النهضة بأن علي العريض قد استلم عمليا "حقيبة مفخخة" فإن هامش تحركه الآن سيكون بمثابة الرقص فوق رؤوس الثعابين، خاصة فيما يتعلق بالملفات التطهير للوزارة نفسها.

تحرير : طارق القيزاني

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.