هل أتاك حديث الذكرى الأولى للثورة التونسية؟

هل تضع تونس تعريفات جديدة لماهية الثورة؟ ناس غاضبون على القمع السياسي والاستغلال الاقتصادي والقهر الاجتماعي يثورون على نظام يتحكم فيه جهازه البوليسي على جميع مفاصل الحياة العامة ناهيك عن دقائق …



هل أتاك حديث الذكرى الأولى للثورة التونسية؟

 

هل تضع تونس تعريفات جديدة لماهية الثورة؟ ناس غاضبون على القمع السياسي والاستغلال الاقتصادي والقهر الاجتماعي يثورون على نظام  يتحكم فيه جهازه البوليسي على جميع مفاصل الحياة العامة ناهيك عن دقائق الحياة الخاصة للأهالي، تعوزهم قيادة حزبية أو نقابية مهيكلة أو مؤطرة ويوظفون التكنولوجيات الحديثة أحسن توظيف. والنتيجة: فرار رئيس الدولة في ظرف وجيز لا يتعدى الشهر الواحد.

 

معادلة تونسية يبدو أن استنساخها يعد أمر صعب خاصة عندما نلاحظ حجم العراقيل التي تواجهه العديد من العربية التي امتد إليها ما أصبح يسمي بـ"الربيع العربي" ليس أسهل من عملية الهدم. فالطفل الصغير بإمكانه تكسير لعبته ولكنه يصعب عليه إعادة تركيبها . وبناء نظام سياسي جديد على أنقاض نظام تغلغل فيه كل أمراض الحكم الفاسد ليس بالأمر الهين.

 

ورشات للإصلاح السياسي انطلقت في العمل فور الإعلان عن انهيار نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي كانت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي يوم 23 أكتوبر احد ابرز محطاتها. وفي الأثناء، تتواصل المعركة بين الجهات التي كانت مستفيدة من الحماية التي كان يوفرها لها بن علي وبين القوى الثورية التي تعتبر أن ثورة "الحرية والكرامة" لا بد تؤتي ثمارها ويستفيد منها الذين قاموا بها. فالفساد والمحسوبية، والرشوة والوصولية جميعها قيم اجتماعية لا بد أن يتم القطع معها نهائيا في مسار الانتقال الديمقراطي. ومحاسبة رموز الفساد ومعاقبة الأشخاص الذين أجرموا في حق التونسيين

أحلام الثورة مازالت لم تتحقق. فالفقر ما يزال مستشري والبطالة مسّت جميع العائلات التونسية دون استثناء. كما أن عائلات شهداء ما تزال تئن فقدان أبنائها دون أن يتم الضرب على أيدي الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم القتل والتعذيب.

 

ورغم ضبابية المستقبل وتزايد التخوف من تغوّل الإسلاميين وإمكانية استهدافهم للحريات الشخصية للمواطنين، نزل المئات من التونسيين إلى الشارع الأكثر شهرة بتونس العاصمة لتخليد ذكرى عزيزة في قلوبهم، حيث تجمعوا يغنون ويرددون الشعارات، مبتهجين بنسمات الحرية التي اكتسبوها، ولم يعيروا اي اهتمام بعشرات أتباع حزب التحرير الإسلامي الذين تواجدوا بكثافة في شارع الحبيب بورقية رافعين ألوية سوداء مطالبة بتطبيق خلافة الإسلامي.  مشهد يكشف حجم الانقسام الذي يعرفه المجتمع التونسي منذ اعتلاء حركة النهضة دفة الحكم، وهو ما ينبئ بمخاطر كبيرة قد تشهدها تونس في المستقبل خصوصا مع الأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام عن حجز كميات من الأسلحة المتطورة في عدد من المناطق في بلد تميز بالهدوء والاستقرار طوال تاريخه المعاصر.

 

كيف سيكون المستقبل؟ لا أحد يدري حاليا. فالصورة ضبابية. حتى الدستور الذي من المفترض أن يكون على رأس الأولويات لم يتضح معالمه بعد. وحكومة حركة النهضة وحلفائها ما تزال تبحث عن موطأ قدم لها. فإدارة شؤون البلاد لا يشبه البتة العمل الحزبي المعارض الذي كانوا عليه قبل يون 24 جانفي. ورئيس الدولة المؤقت المنصف المرزوقي يقف مكبلا ومحدود الصلاحيات غير قادر على التأثير، حيث يظل معظم الوقت مستغرقا في إجراء الحوارات الصحفية يمينا وشمالا. أما قوى المعارضة فهي على تشرذمها محافظة، وعلى قياداتها الهرمة متشبثة. وبين هذا وذاك ينعم التونسيون بالحرية، لكنهم يتوقون إلى تحقيق الكرامة التي لن تتوفر لهم ما لم تطبق مبدأ العدالة الاجتماعية للجميع دون استثناء.

 

بقلم : سفيان الشورابي – صحفي وناشط

اترك تعليقاً

Time limit is exhausted. Please reload CAPTCHA.